الوطن

موقعة 14 شباط أثبتت أن لا ولادة للحكومة وأنّ قرارها في الخارج وبشروطه

 

} علي بدر الدين

لم يأت الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري في كلمته أمس الأول في الذكرى السنوية السادسة عشر لإغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، بأيّ موقف يؤشر إلى التفاؤل بإمكانية ولوج المدخل إلى النفق الحكومي المأزوم، أو إيجاد المخارج لعربة التأليف المحشورة في زوايا المصالح السياسية والتحاصصية، الآنية والمستقبلية منذ ما يزيد عن ستة أشهر، وقد عكست بوضوح حالة الاحتقان والتوتر والانفلات من كلّ الضوابط السياسية والتشاركية في الحكم والسلطة، وانعدام المسؤولية لدى المنظومة السياسية الحاكمة برمّتها، أو أقله معظمها، وكشفت العجز المسكون فيها، والانحلال الذي أصابها وأرهقها وأضاع بوصلتها التي من الواجب الوطني والأخلاقي، ان تكون بإتجاه الوطن الذي بلغ حدّ الانهيار، والدولة التي فقدت مؤسّساتها وهيبتها ودورها، والشعب الذي بطش به الفقر وتمكّن منه الجوع والمرض، وتحوّل إلى عاطل عن العمل.

كلّ ما قاله وكشف عنه، هو معروف ومكشوف أمام اللبنانيين وكلّ من يعنيهم الأمر في الداخل والخارج، لأنه كان درساً يومياً لهم، على اختلاف أشخاصه وعناوينه وشعاراته وطائفيته، وقد ملّوا من سماعه يومياً غصباً عنهم، وهم لا يعنيهم مثل هذا الخطاب الطائفي والمذهبي المعتمد من الجميع، لا من قريب أو بعيد، لأنه لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يطعم خبزاً، ولا يؤلف حكومة أو ينجز إصلاحاً أو يحاسب فاسداً، ولا يوفر فرص عمل، ولا يعيد الحقوق المسلوبة والمخطوفة إلى أصحابها، ولا الأموال المنهوبة والمهرّبة والمودَعة في المصارف إلى اللبنانيين المقيمين والمغتربين.

إنه كلام خارج عن الواقع والنصّ والمنطق والحق من أيّ جهة أو موقع سلطوي أو مسؤول صدر، لأنه كلام «حقّ يُراد به باطل» وهو للاستهلاك السياسي المصلحي الداخلي، ولإلهاء الشعب وإشغاله بالوعود الكاذبة، وتخذيره بجرعات طائفية ومذهبية وزعائمية، ليواصل «نومه في العسل»، ولتسلب إرادته ويخفت صوته، ويتعايش مع فقره وجوعه ووجعه، ولا يصحو، إلا عند إشعاره بدق ناقوس خطر محدق، أو هكذا يعتقد بالطائفة والمذهب و»ولي النعمة».

وعلى قاعدة المثل، «وافق شنّ طبقة» فإنّ ردود الفعل الواسعة من المكتب الإعلامي في قصر بعبدا ومن نواب التيار الوطني الحر، لا تختلف أبداً، عن مواقف سابقة صدرت حول تأليف الحكومة، وعن المسؤول عن العرقلة وطغيان الحسابات والمصالح الخاصة، التي تشكل القاسم المشترك للتجاذبات السياسية العالية السقف والصوت والإساءات، بين جمهور القصور والسلطات والكتل النيابية، التي لاعمل لها ولا إنتاج ولا فائدة، وصوتها لا يرتفع إلا بقرار وإشارة وأمر، لتهبّ هبّة واحدة، وهي في الأساس غائبة كلياً، ومركونة في الظلّ «غب الطلب».

إنّ الصراع السياسي المحتدم حول تأليف الحكومة، لن يؤدّي إلا إلى المزيد من التعقيد والتأزم، والانزلاق ولن يقف عند حدود القصور، لأنّ خطه البياني التصاعدي قد يستدرج، ضعاف النفوس والتابعين والمرتهنين إلى الشارع، وهم كثر ولا يزالون رغم كلّ المعاناة والمآسي الذين هم فيها، يرفعون شعارات الوفاء لأسيادهم والتضحية بأرواحهم ودمائهم على مذبح حمايتهم وبقائهم في السلطة.

لا أحد من المتخاصمين، قدّم حلولاً أو اقترح موقفاً مفيداً لتهدئة الخطاب التصعيدي والمتوتر، لأنهما وغيرهما من في هذه المنظومة يدركون جيداً، انّ قرار التأليف هو خارج الحدود، ومشروط بتنفيذ أجندات كبيرة وخطيرة، لا قدرة للبنان على تنفيذها، حتى أنه لا يقبلها ويرفضها بشدة لأنها تمسّ بسيادته واستقلاله،

لا غرابة في ما نشهده من تصعيد بين أكثر من فريق سياسي سلطوي حول الحكومة، لصرف الأنظار عن الحقيقة وإخفائها، وليشغلوا أنفسهم وبيئاتهم الحاضنة، علهم ينتزعون مصلحة من هنا، أو حصة من هناك أو موقعاً، في ظلّ ضجيج المعمعة والفوضى، وغياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة من الشعب الغاط في نوم عميق.

ما تمخضت عنه كلمة ١٤ شباط والردود عليها ثابت واحد هو أن لا ولادة للحكومة لا الآن ولا غداً أو بعد بعد غد، والخلاف المحتدم الدائر حالياً بأقسى الكلمات والمواقف وبفتح ملفات الفضائح وسحبها من مخابئها لإدخالها في حرب «البسوس» يؤخر إلى حدّ كبير هذه الولادة ولكنه لا يلغي أحداً من هذه المنظومة التي تتمدّد ويشتدّ عودها ونفوذها رغم كلّ الحروب التي خاضتها عسكرياً وسياسياً وسلطوياً وتحاصصاً وفساداً.

فالحريري رغم موقعة ١٤ شباط السياسية أكد أنّ الحكومة ستؤلف وردّدها أكثر من مرة. حكماً ستؤلف الحكومة ربما العام المقبل، أو عند حصول معجزة، أو من خلال فانوس علاء الدين السحري!

كيف ستؤلف هذه الحكومة والجدال لا يزال محتدماً على جنس ملائكتها، وعلى من يفكّ لغز «مَن قبل مَن الدجاجة أم البيضة؟». إلعبوا غيرها، انتهت مدة الصلاحية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى