أولى

لأصحاب دعوات التدويل القضائي والسياسي

السؤال الأول الذي يجب على معارضي مشاريع التدويل التي ترتفع أصوات معنوية مؤثرة للمطالبة بها، أن يجيبوا عليه، هو: هل يحمل أصحاب الدعوات مشاريع لحوار وطني هادف للتوافق على هذه الدعوات أم يضعونها في إطار مواجهة مفتوحة مع المعارضين ويعتبرونها إحدى أدوات هذه المواجهة؟ والسؤال الثاني: هو هل هناك مناخات دولية مناسبة ومؤاتية تتيح لأصحاب هذه الدعوات أن يأملوا بتحقيق دعواتهم من دون المرور بالتوافق الوطني؟

الجواب على السؤال الأول واضح سلباً من خلال طريقة أداء أصحاب دعوات التدويل سواء بعنوانه القضائي أو بعنوانه السياسي، وهم يلتقون تحت سقف واحد محوره اعتبار المعركة التي يخوضونها تتركز جوهرياً على إلحاق الأذى بخصم سياسي هو حزب الله وحلفاء خيار المقاومة والمتمسكون بأسباب قوتها، الذي يعتقدون أن دعوات التدويل تشكل إحدى أدوات هذه المعركة أكثر مما هي وصفة لمواجهة القضايا التي يتحدثون عنها سواء في الشق القضائي أو السياسي، ولذلك لا يرد في حسابهم البحث عن مشتركات وطنية تحت هذا العنوان أو سواه، وهم يرهنون كل شيء بنتائج المعركة التي يخوضونها ويمنحونها الأولوية على الشأنين القضائي والسياسي.

الجواب على السؤال الثاني تقدّمه صورة العالم المتغير بقوة على خلفية التراجع الذي يعيشه الحضور الأميركي، بعد فشل مشاريع الحروب والهيمنة، وصعود قوى إقليميّة قادرة على فرض حضورها، وقوى دولية أثبتت شراكتها في المشهد الدولي، بحيث ما عاد التدويل مشروعاً يكفي لفرضه كمسار إلزامي في بلد كلبنان، أن تتبناه واشنطن ويكفي.

دعوات التدويل هي جزء من عدة الشغل في معركة سياسية يخوضها أطراف لبنانيون مشاركون ضمن حلف إقليميّ، يريد أن يقول للأميركيين لا تستعجلوا وتعترفوا بالهزيمة، وإياكم المسارعة للانخراط بتسويات سياسية مع حلف الخصوم، فهناك أوراق كثيرة يمكن وضعها على الطاولة، ولبنان يمكن أن يشكل واحدة من ساحات تعديل التوازن.

التعامل مع دعوات التدويل يجب أن ينطلق من هذه الاعتبارات. وهذا يعني عدم التعامل مع هذه الدعوات بصفتها عناوين مفصليّة، وهي مجرد ظواهر صوتيّة رغم أن أصحابها يمثلون مواقع وازنة، ليس لضعف وزنهم، بل لفقدانها شرطَيْ التوافق الداخلي والتوافق الإقليمي والدولي، بل معاملتها بصفتها أدوات حرب سياسية وتقديم أوراق اعتماد لجهات أجنبية، تشجيعاً على مواصلة الضغط على لبنان، وانخراطاً في حلف إقليمي مأزوم يعيش القلق، ويحاول تصديره الى صفوف الحلف المقابل بالتذاكي والحركة الإعلاميّة.

هم القلقون وليبحثوا عن مداواة قلقهم، بما يستطيعون تحقيقه، أو يعودوا إلى حقيقة أن لا شيء بات ممكناً فرضه من خارج التوافق الوطني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى