مانشيت

الدولار إلى 10 آلاف ليرة… والناس إلى الشارع… والطريق مسدود أمام الحكومة

هل لعبت السياسة لرفع الدولار واستغلاله للعب بالشارع... أم هي نقطة الغليان؟ / وحدة الشوارع تحت شعار الضغط لتسريع الحكومة فرصة أمام الحراك فهل يلتقطها؟

كتب المحرّر السياسيّ

عقد مستعصية تعطل ولادة الحكومة الجديدة رغم ثقل المبادرات التي طرحت فوق الطاولة، وثقل الواقفين وراءها والداعمين لها، فمبادرة بكركي كادت تصل الى نقطة الحل ثم تكشّف الوضع عن الفشل، ومبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري كادت تنهي الأزمة بعدما دعمها الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون من جهة وحزب الله من جهة مقابلة، لكنها في اللحظة ما قبل الأخيرة عادت إلى المربع الأول، والعقد القائمة ليست بوزن المبادرات وأصحابها، فهي حسب ما يؤكد أصحابها أو الساعون بها أنها أدنى مرتبة بكثير من عقد سابقة عالجوها وتمكنوا من تخطيها في حكومات سابقة، وأن عقدة العقد هي العلاقة الشخصية التي أصابتها السهام وتراجعت فيها الثقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، وتوجّس كل منهما من أبسط التفاصيل التي يستشعر من خلالها تمكيناً للآخر أو تعزيزاً لموقعه.

المصادر المتابعة للمبادرات التي تواجه طريقاً مسدوداً، تقول إن البلد قد يقع قبل أن تبصر الحكومة النور، فلا الرئيس عون سيتراجع للرئيس الحريري، ولا العكس سيحصل، ولا الحريري بوارد الاعتذار ولا عون قادر على إزاحته، ولذلك وقع ارتفاع سعر الدولار الى عشرة آلاف ليرة عند الكثير من المتابعين في مكانة القلق على الوضع الاقتصادي والمالي واستطراداً ما يجرّه من تحرّكات في الشارع قد تهدّد بالفوضى وتتيح المجال للعابثين بالأمن، خصوصاً أن السعر الذي تخطى الحاجز النفسيّ لرقم العشرة آلاف يجد الطريق سالكاً لارتفاعات لاحقة وربّما بسرعة أكبر، لكنه جعل بعضهم يأملون بأن يحرك ذلك الخلاف الرئاسي نحو الحلحلة.

السؤالان اللذان رافقا الغضب الشعبيّ الذي شهدته شوارع لبنانية مختلفة طرح أسئلة كثيرة، أولها عما إذا كان ارتفاع سعر الدولار مجرد شأن اقتصاديّ مالي، مرتبط بالضغط على السوق طلباً للدولار سواء لزوم الاستيراد أو بسبب الضغط المستجدّ للمصارف لتغطية موجباتها التي حدّدها تعميم مصرف لبنان بزيادة تغطيتها بالعملات الصعبة، أو أن يكون السبب سياسياً يتخطى تراجع الثقة الناجم عن الفشل بتشكيل الحكومة، إلى دخول أطراف سياسية على خط المضاربات المالية لرفع سعر الصرف  أملاً بتحريك الشارع طلباً لاستثماره في الدفع بشعارات طائفية تعزز موقعها في شارعها، كما أظهرت حالة توزّع الشوارع التي تحركت وبدا تمركز أغلبها بين جلّ الديب وزوق مكايل، حيث النفوذ الرئيسي في الحراك منذ انطلاق التحرّكات قبل سنة ونصف، للقوات اللبنانية، بعدما بدت التجمعات الأخرى الموازية في ساحة الشهداء ومنطقة الرينغ ومثلها المجموعات التي قطعت الطرقات في الجبل والبقاع محدودة وضئيلة، بينما بقيت في الجنوب والضاحية مؤقتة ورمزيّة.

السؤال الثاني الذي طرحته حركة الشارع، هو عن قدرة هذه الشوارع على التعلم من دروس التجارب الماضية لجهة مخاطر اللعب السياسي والطائفي ولا جدواها في تحقيق أي تقدّم، أو لجهة لا جدوى رفع السقوف التي تربط بالتحرّكات تحقيق أهداف بحجم تغيير النظام أو القضاء على الفساد، للتساؤل عما إذا كان لهذه الموجة من التحرّكات فرصة توحيد الشوارع تحت شعار الضغط لولادة الحكومة الجديدة، خصوصاً أن هذه التحركات يفترض أن تكبر أكثر مع المزيد من ارتفاع سعر الصرف وما يرتبه من تداعيات وما يرافقه من ارتفاعات في أسعار السلع، وفي ظل أزمة الكهرباء وأزمات الدواء وتطبيق المستشفيات لسعر صرف الـ3900 على تسعير فواتيرها، وبصورة أخصّ لأن تشكيل الحكومة وحده سيكون سبباً لصدمة إيجابية تعيد الدولار الى ما دون عتبة العشرة آلاف ليرة، عدا عن كونها ستفتح الباب لخطوات مالية ولتفاهمات خارجية تلجم ارتفاع سعر الدولار، عدا عن كون وجود الحكومة بذاته سيوجد جهة تتحمل مسؤولية ترشيد الدعم، واستثمار مقدرات مصرف لبنان لتغطية المرحلة الانتقالية التي سيتم خلالها اتخاذ الخطوات الإصلاحية التي ستليها تدفقات المساهمات الخارجية في مواجهة الأزمة وفقاً للتعهّدات الفرنسية وغير الفرنسية.

وفيما عادت الحياة إلى شبه طبيعتها في البلد مع بدء المرحلة الثالثة من خطة إعادة الفتح، أشعل الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار الشارع في مختلف المناطق اللبنانية.

ومع بلوغ سعر صرف الدولار 10 آلاف ليرة خرج عشرات المواطنين الى الشارع وقطعوا الطرقات بالإطارات المشتعلة وحاويات النفايات في البقاع والجنوب وبيروت والجبل والشمال احتجاجاً على تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية تخللته احتكاكات مع الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي الذين عملوا على فتح الطرقات أمام المواطنين والمارة.

وعمد المحتجون إلى إقفال عدد من الطرقات في طرابلس وتعلبايا وطريق رياق بعلبك الدولية وأتوستراد زحلة بعلبك بالاتجاهين وطريق المطار القديمة مقابل مستشفى الرسول الأعظم بالاتجاهين ونفق شاتيلا باتجاه المطار.

أما في بيروت فقطع السير على كورنيش المزرعة قرب جامع عبد الناصر بالاتجاهين وطريق قصقص وفردان واوتوستراد الاسد مقابل ملعب الأنصار وبشارة الخوري وسليم سلام والرينغ.

كما شهدت الطرقات الداخلية في برج حمود والدورة زحمة سير خانقة بسبب تحويل السير إليها، بعدما قام المحتجّون بإقفال اوتوستراد الدورة بالاتجاهين.

وفي الجنوب قُطعت طرقات عدة في صيدا والنبطية ومرجعيون وطريق صيدابيروت عند مفرق الجية وبرجا وخلدة.

ولفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى أنه «وعلى الرغم من أحقية التحرّكات الشعبية اعتراضاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع سعر صرف الدولار، لكن ثمّة جهة سياسيّة ماليّة ما أقدمت على التلاعب بسعر الصرف للضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون للتنازل بموضوع تأليف الحكومة، وذلك تحت ضغط الشارع ومطالباته بتأليف الحكومة». وتساءلت المصادر عن سبب تركز معظم التحرّكات الشعبية وقطع الطرقات في مناطق نفوذ بعض القوى السياسيّة كالقوات اللبنانيّة والكتائب والاشتراكي وتيار المستقبل ومجموعات محسوبة على رجل الأعمال بهاء الحريري؟ فهل هناك مَن حرّك الشوارع لغايات سياسية؟». ووضعت المصادر ارتفاع سعر الصرف في إطار استغلال ورقة الدولار في المعركة السياسيّة أو ما يُسمّى بالدولار السياسي.

وتساءلت المصادر عن دور الحكومة والوزارات المعنيّة بالأسعار وبالحياة اليومية للمواطن وأجهزة الرقابة والمجلس النيابي؟ ولماذا هذا الصمت والتخلّف عن ضبط عمليّات الاحتكار والتهريب؟ ولماذا سمح مصرف لبنان المسؤول الأول عن الاستقرار النقدي بشراء المصارف والصرافين للدولار بكميات كبيرة؟

وعدد خبراء ماليون لـ«البناء» أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار:

الأول، انسداد باب الحلول للأزمة الحكوميّة في ظل سقوط المبادرات والوساطات كافة على خط بعبدابيت الوسط ما يعني سقوط الرهانات على تأليف حكومة تستطيع إنجاز الإصلاحات للحصول على الدعم المالي من صندوق النقد الدولي، ما أدّى إلى مزيد من الضغط السلبي على الأسواق الاقتصادية والمالية.

الثاني، إقبال المصارف على لمّ الدولار من السوق السوداء عبر صرافين يتبعون لها وذلك قبيل انتهاء المهلة الممنوحة لهم من مصرف لبنان لزيادة رأسمالها وسيولتها تنفيذاً لتعميم مصرف لبنان.

الثالث، الاستمرار في استنزاف احتياط المصرف المركزي من العملة الخضراء والتوجّه إلى رفع الدعم أو ترشيده إلى حدود كبيرة، ما دفع بالتجار والمواطنين على حدٍ سواء إلى شراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والمحروقات والأدوية والدولارات وتخزينها، فزاد الضغط على الدولار.

الرابع، العودة إلى استخدام الدولار السياسي في الصراع على تأليف الحكومة.

وتلفت أوساط حكومية لـ«البناء» الى أنّ لا حلول قريبة أو معالجات فورية للأزمات الحالية في ظل حكومة تصريف أعمال لا تستطيع الاجتماع ولا اتخاذ القرار، متوقعة المزيد من التأزم خلال الأيام المقبلة وعلى مستويات أكبر في ظل الاقتراب من اتخاذ قرار برفع الدعم عن السلع والمحروقات والاتجاه إلى تقنين أكثر للكهرباء ورفع فاتورة المولدات الكهربائية، ما سيضع القوى السياسيّة كافة أمام خيارين إما معالجة الأزمة ولو مرحلياً وجزئياً وتأليف حكومة سريعة لاحتواء غضب الشعب، وإما تحمل تبعات الانفجار الشعبي الكبير الذي لن يقتصر هذه المرّة على فئة دون أخرى بل سيجمع مختلف شرائح الشعب اللبناني.

ولفت مرجع نيابي لـ«البناء» إلى أن «ما حصل في الشارع من احتجاجات أمس، تؤشر الى إمكانية ارتفاع إضافي بسعر صرف الدولار وبالتالي اشتعال الشارع أكثر ما يفرض على الجميع استئناف الحوار لوضع حدّ على المستوى السياسي لا سيما في ما يتعلق بتأليف الحكومة». وأضاف: «اذا لم يكن هناك حكومة تلبي مطالب المواطنين فكل الصراخ لن يفيد، فتشكيل الحكومة هو بيت القصيد لإنقاذ لبنان، لذلك يجب تعويم المبادرة الفرنسية بالتوازي مع عودة الحوار بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري». ولفت الى أن الحل الوسط يكمن في تسمية رئيس الجمهورية ستة وزراء لكن دون نيله الثلث المعطل.

وحذّرت أوساط 8 آذار من تداعيات الأزمة الحكومية والتوتر السياسي الذي يتسيّد المشهد الداخلي منذ شهور، مشيرة لـ«البناء» إلى أن «الخطر الكبير يتأتى من الانهيار الاقتصادي واستخدام الضائقة المعيشيّة في اللعبة السياسية الداخلية للضغط على رئيس الجمهورية وحزب الله لتقديم تنازلات في الحكومة». وكشفت الأوساط أنّ «الرئيس سعد الحريري والفريق السياسي الذي يمثله يتماهى مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف لرفع الدولار للضغط على رئيس الجمهورية للّي ذراعه في عملية تأليف الحكومة». ولفتت الى أن «الحصار المالي والاقتصادي الأميركي للبنان وعرقلة تأليف الحكومة هو المسؤول عن تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية».

وفي أول موقف لمسؤول أميركي في الإدارة الأميركية في الملف اللبناني، أشار مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر إلى أن «الجانب اللبناني كان متعاوناً في بداية المفاوضات مع «إسرائيل»، لكنه عاد وتراجع»، وقال إن مطالب الجانب اللبناني كانت تعجيزيّة خلال المفاوضات. وأضاف: «السلطة اللبنانية تعاملت مع المفاوضات مع «إسرائيل» باستهتار كما فعلت بانفجار المرفأ».

ولفت شنكر لـ«الحدث» إلى أن «رغم الواقع الاقتصادي المزري، الحكومة اللبنانية ليست على عجلة من أمرها»، ورأى أن «الشعب اللبناني يعيش مأساة حقيقيّة بسبب ممارسات حكومته». واعتبر أن «حزب الله لا يكترث ولا تعنيه مصلحة الشعب اللبناني»، وتمنّى شنكر على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن تعتبر لبنان أولوية، وتابع: «يجب على إدارة بايدن أن تُشعر اللبنانيين بعواقب تساهلهم مع الفساد وتجاوزات حزب الله»، وقال: «بغض النظر أن شكل الإدارة الأميركيّة يجب إبقاء تصنيف حزب الله منظمة إرهابيّة».

وعلمت «البناء» أن «مساعي تأليف الحكومة متوقفة ومعطلة حتى إشعار آخر». ولفتت إلى أن «لبنان لم يُوضع بعد على خريطة أولويات واهتمامات إدارة بايدن وقد تقزّم الدور الأميركي في لبنان إلى مستوى توزيع الكمامات في الشارع»، ما دفع بالمصادر إلى الإشارة إلى أن الحكومة لن تبصر النور حتى فترة طويلة لا أحد يعرف حدودها.

وحذّر تكتل لبنان القوي خلال اجتماعه الكترونياً برئاسة رئيس التيار جبران باسيل، من الانعكاسات السلبية لتأخير تشكيل الحكومة، وهو لا يزال ينتظر من دولة الرئيس المكلّف أن يبادر لإجراء المشاورات اللازمة والتعاون مع رئيس الجمهورية لتقديم التشكيلة الحكومية بحسب الأصول الميثاقية والدستورية ومن دون أي التباسات أو غموض كي يتمّ الاتفاق عليها وإصدار مرسومها بأقصى سرعة. ورأى التكتل أن التأخير الحاصل يساهم في استنزاف الوضع المالي؛ وسواء أكان ارتفاع سعر الدولار المتزايد اليوم هو نتيجة للمضاربات المالية أو ضغطاً سياسياً أو في إطار التعميم الصادر عن مصرف لبنان، فإنّه يبقى مرفوضاً إذ إنّه يضرب القدرة الشرائية للمواطن ويُنذر باضطرابات اجتماعيّة غير محمودة العواقب.

وثمّن التكتّل رفض البطريرك أي محاولة للمسّ برئيس الجمهوريّة وموقعه ونبّه من تسلّل المتحوّرين الذين تقلّبوا في أدوارهم منذ التسعينيّات فلبسوا ثياب انتفاضة الاستقلال ومن ثم الثورة وهم يحاولون اليوم استغلال صرخة بكركي المشروعة والاختباء وراء عباءتها لتحقيق مكاسب سياسيّة أو فئوية ضيّقة.

على صعيد آخر، كلّفت هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان الأمين العام للهيئة عبد الحفيظ منصور بإعداد جدول للمباشرة بزيارات ميدانية إلى المصارف العاملة في لبنان، وذلك للتحقق من مدى تطبيقها أحكام البندين 1 و2 من المادة الثانية من التعميم 154 الصادر عن حاكم مصرف لبنان، وذلك بناء على أحكام قانون مكافحة تبييض الأموال الرقم 44/2015. على أن يقدّم الأمين العام للهيئة تقريراً عن نتائج الزيارات الى الهيئة التي يترأسها حاكم المركزي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى