الوطن

تداعيات جريمة قتل خاشقجي… تفاوض بالدم

} د. حسن مرهج

عندما ترفع الإدارة الأميركية الجديدة شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، يُهيّأ للمتابع أنّ ممالك الخليج ستغدو واحة للديمقراطية ينعم ساكنوها بالحقوق والحريات، لكن تبقى المصالح السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية مؤطرة بالمصالح العليا للولايات المتحدة الأميركية، ما يعني وبكلّ وضوح أنّ الإدارة الأميركية تتبع سياسية الكيل بمكيالين، ففي أيّ توقيت استراتيجي ترفع واشنطن ورقة حقوق الإنسان وتلوّح بها للدول المناهضة لسياستها، وفي المقابل تُخفي المسار الإنساني وتتجاهله بإرادتها لتنفيذ بنود أجندتها، وبين هذا وذاك يتمّ استثمار هذه الورقة الإنسانية لدواع استراتيجية صرفة، وهذا ما حدث في إعادة فتح ملف الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذى قُتل في قنصلية بلاده في اسطنبول، وتمّ اتهام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمسؤوليته الكاملة عن قتل خاشقجي.

توقيت خروج التقرير الأميركي بشأن مقتل خاشقجي، والذي وُصِف بالسري، ليس بريئاً إذا ما تمّ وضعه في إطار السياسات الأميركية في عموم المنطقة، فضلاً عن انكشاف بعض أوراق الإدارة الأميركية الجديدة تجاه سورية والعراق واليمن وإيران، الأمر الذي يشي بأنّ هندسة السياسات الأميركية يرتكز على إثارة ملف بذاته، لتتمّ مقايضته بملف آخر، وما يؤكد هذه المقاربة أنّ واشنطن لا يُمكن أن تخسر أداة وذراعاً مالياً ومخلباً متقدّماً في المنطقة، بدليل ما تمّ تسريبه عبر وسائل إعلام أميركية لجهة أنّ جو بايدن لن يعاقب ابن سلمان مباشرة لأنّ ثمن معاقبته سيكون خسارة أهمّ حلفاء الشرق الأوسط.

في ذات السياق أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلاً عن مسؤولين أميركيين بأنّ «الرئيس جو بايدن قرّر عدم معاقبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مباشرة بسبب قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي».

قرار بايدن يأتي بعد أسابيع من المناقشات مع فريقه الأمني، الذي توصّل إلى استنتاج مفاده بأنه لا يوجد هناك أيّ طريقة لمنع ولي العهد السعودي من دخول الولايات المتحدة أو توجيه تهم جنائية إليه دون إلحاق ضرر بالعلاقات مع السعودية، التي تعتبر من أهمّ حلفاء واشنطن في المنطقة. وعليه فمن الواضح أنّ هناك توافقاً داخل البيت الأبيض على أنّ ثمن الإضرار بالعلاقات مع السعودية سيكون باهظاً للغاية في ما يتعلق بالتعاون بشأن محاربة الإرهاب ومواجهة إيران.

بات واضحاً أنّ فتح ملف خاشقجي يأتي في الإطار السياسي الضاغط على حُكام السعودية، وهنا لسنا في معرض الدفاع عن السعودية والمطالبة بالقصاص من القتلة، أو الثأر لدماء خاشقجي، إنما نحن بصدد التأكيد على أنّ سياسة الولايات المتحدة ستبقى ترتكز على أدواتها وبيادقها في المنطقة، وبصرف النظر عن الإرهاب الذي تُمارسه السعودية بحق اليمن، والأخبار التي تحدثت وكتبنا عنها حيال قرار بايدن إنهاء الحرب اليمنية، وبصرف النظر عن خاشقجي، فالأوْلى بهذه الإدارة محاسبة جنودها الذين قتلوا مواطنين عراقيين على مدى سنوات طويلة، وبوحشية كبيرة في غالب الأحيان، وعليها أيضاً محاسبة نفسها جرّاء ما تفرضه من عقوبات اقتصادية على إيران وسورية ولبنان، عطفاً على قائمة طويلة من الجرائم الأميركية ضدّ الإنسانية جمعاء، كلّ هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشكّ، بأنّ كلّ الإدارات الأميركية بما فيها إدارة بايدن، إنما هي نُسخ مكرّرة تحمل ذات الشعارات والأجندات، مع اختلاف في الأولويات فقط.

في المحصلة، فتح ملف خاشقجي وأيّ جرائم ارتكبها النظام السعودي، لن يُفسد العلاقة الأميركية السعودية، خاصة أنّ السعودية بئر نفط وخزينة تحوي تريليونات من الدولارات، وهذا يكفي للتغاضي عن كلّ ممارساتها وأعمالها في القتل ودعم الإرهاب الإقليمي والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى