الجوع يضرب المواطنين والحكام لا يسألون!
} د. وفيق إبراهيم
تنخفض رواتب الموظفين في لبنان بمعدل سبعين في المئة دفعة واحدة وسط لامبالاة حكومية رسمية تعتقد أنها بمأمن من انفجار شعبي عام يقضي على نظامها السياسي.
يعتمد الحكام على التعددية الطائفية لامتصاص الغضب الاجتماعي العارم معتقدين انها كافية لمنع أبناء الطوائف من الالتحام ببعضهم بعضاً وقدرتهم على تفرقتهم، كما حدث في الانفجارات الأخيرة التي حالت دون تسجيل التحامات طوائفية كان بالإمكان المراهنة عليها، لدكّ النظام الطائفي. واقتصر أمرها على انشقاق ماروني بين قوات وتيار وطني حر، كاد أن يطيح بلبنان.
وهكذا يتبين ان ادراك الدولار الأميركي سعر أحد عشر الف ليرة لبنانية حالياً مستمراً بالصعود الى درجات أعلى، ضرب رواتب الموظفين من كل الفئات، حتى أن رواتب الصغار منهم لم تعد تتعدّى الخمسين دولاراً وأقل بكثير في رحلة انخفاض قوية غير قابلة للتوقف في الانهيار السياسي اللبناني المتواصل.
ماذا يجري؟
الصراعات السياسيّة بين الأفرقاء اللبنانيين من تيار وقوات وكتائب واشتراكي ومستقبل وحركة امل وحزب الله، لم تتوقف فهناك قوات تعتبر أن حزب الله كارثة على وضع المسيحيين اللبنانيين في صراعهم على السلطة في لبنان.
لكنها لا تفعل في الحقيقة إلا استعداء حزب الله تلبية لطلبات غربية وخليجية، وذلك لدوره الإقليمي الوازن وتحالفاته مع سورية وإيران، واتجاهاته الروسية الجديدة.
الفقر في لبنان، إذاً على موعد قريب مع الناس في واحدة من أشد ظواهره فتكاً وتراجعاً نحو الحضيض، لكن هناك روسيا ومصر والأردن وقطر هي دول تسعى لمعالجة الوضع اللبناني الاقتصادي والسياسي في حركة إقليمية ودولية وازنة تسعى من خلالها للإمساك بلبنان السياسي، لكنها ترتبط ايضاً بغايات إقليمية، تحاول فيها قطر مثلاً قيادة أدوار إقليمية بديلاً من السعودية المهتمة حالياً بمشاكل أميرها القاتل محمد بن سلمان، ما يجعلها بعيدة عن البحث عن صراعات إقليمية.
اما روسيا فترى أن تحالفاتها مع ايران وسورية تتيحان لها حرية حركة إقليمية تدخل من خلالها الى لبنان ومصر والأردن، وأنحاء إضافية.
انها اذاً حرب الاقتصاد المتأتية من أزمة كورونا والانهيار العالمي.
لبنانياً، يختبئ حكام لبنان في مواقعهم الدستورية غير مبالين باللبنانيين ومعتمدين على التعددية الطائفية كوسيلة لتطويع الناس ومنعها من الالتحام لمجابهتها. وهكذا يبقى الشيعة والسنة والدروز والمسيحيون في اتجاهاتهم المتعارضة لا يجتمعون في ساحة واحدة للقضاء على حكام أذلوا الناس ويواصلون الاحتيال عليهم والاستثمار بهم طائفياً لتركيز نظامهم الحاكم بشكل قويّ.
يكفي أن رواتب الموظفين أصبحت قابلة للانهيار المخيف مقابل ارتفاع هائل للأسعار واللحوم والمواد المختلفة، أي تعميم حالة جوع فعليّة.
بالمقابل يواصل السياسيّون صراعاتهم غير مكترثين باندفاعة الشارع نحو الفقر معتمدين كدأبهم على الطائفية وسيلة لإسكات الأفواه وجذب الناس نحو الكأس المخيفة للطائفية القاتلة.
والدليل أن وزير خارجية فرنسا لودريان اتهم السياسيين اللبنانيين علناً بالكذب وعدم تلبية الحاجات الفعلية للناس.
والأدهى أن سياسيي لبنان لا يردون على اتهامات لودريان وقبله هجمات الرئيس الفرنسي الذي اتهم بدوره حكام لبنان بسرقة اللبنانيين وبلادهم، ويحتاجون للعودة إلى بناء المؤسسات الفاشلة.
وللمرة الثانية يصمت سياسيّو لبنان ولا يردّون وكأن شيئاً لم يكن.
الرواتب اذاً تحتاج الى دفعة صغيرة كي تصبح في منزلة لا تتوقف عن الهبوط، وهذا يعني ان اللبنانيين مهدّدون بالسقوط القاتل بدورهم، مقابل استمرار السياسيين بالصراعات، في ما بينهم على أتفه الأسباب، وتلبية لقدرتهم من جهة ثانية على الاستجابة للمشروع الغربي العام الذي يعمل حتى الآن على استغلال لبنان في إطار صراعاته الإقليمية.
فهل ينجو لبنان أم يسقط في صراعات سياسييه وارتباطاتهم المنخرطة في اطار المشاريع السياسية المتعلقة بالصراعات على مشاريع الإقليم وأثرها في المنطقة والعالم.
الضرائب في لبنان قد تبدو إذاً آلية اقتصادية فقط، لكنها تصبح في لبنان آلية اقتصادية في خدمة المشاريع السياسية وترتبط آنفاً بالمشاريع الدولية العاملة على تغيير المناخ اللبناني من المحلية إلى الإقليمية والعالمية، أما الضحية فهي بالطبع ذلك اللبناني الغارق بدوره في انتماءات طائفية لا توفر له الحماية الكافية.
فهل يتحرّك حكام لبنان للإنقاذ ام يلعبون أدواراً إضافية الى جانب الهمّ الطائفي ويتركون لبنان للمعادلة الخارجية التي قد تحافظ عليهم في مواقعهم الدستورية والسياسية.
جرت العادة على أن هؤلاء الحكام يتبعون عادة الخارج، وهم مستمرّون بالتالي على هذا النهج اعتقاداً منهم أن المعادلة التاريخيّة راسخة. وهذا يحتم عليهم البقاء في تأييدهم للخارج.
بذلك يتبين أن الحكام والضرائب والخارج السياسي هم معادلة واحدة تعمل بالتدريج للاستمرار في السيطرة على اللبنانيين ولبنانهم.
فماذا يفعل اللبنانيون بالمقابل؟ لن يبقوا على صمتهم وهم مستعدّون بالتالي للدفع نحو لبنان جديد وعصريّ بوسعه تأمين الحاجات المعقولة لأهله على حساب هؤلاء الحكام وموبقاتهم.