عربيات ودوليات

«كواد» أولى خطوات واشنطن في الاستدارة شرقاً لإحياء تحالفاتها المترنّحة

 

} محمد حسن سعد

«الصين مارد نائم دعوه يغطّ في نومه لأنه إذا استيقظ سوف يهزّ العالم»، كان ذلك ما قاله نابوليون بونابرت، فيما قال الرئيس الأميركي جو بايدن «إنّ الصين ستهزمنا ما لم نتحرك»، هذا الكلام وحده يكفي لنعرف أنّ وجهة الولايات المتحدة وثقلها سيكون في مواجهة الصين ومحاولة الحدّ من نفوذها المتصاعد وقوّتها المتعاظمة التي تزاحم بها اليوم أميركا المنقسمة على ذاتها، على صدارة المشهد في النظام الدولي.

بادرت إدارة بايدن بتنفيذ التزامها بالإنخراط في القضايا العالمية، ليس لمواجهة تحديات الأمس، ولكن تحديات اليوم والغد كما أسمتها في الدليل الإستراتيجي للأمن القومي الذي أصدرته في الثالث من الشهر الحالي، ولأجل ذلك عمل أركان إدارة بايدن على إعادة تفعيل مجموعة «كواد» التي تضمّ بالإضافة الى الولايات المتحدة الأميركية كلّ من الهند واليابان وأستراليا، هذه الرباعية التي تولدت في العام 2007 متخذة شكل الحوار الدبلوماسي، الذي تزامن مع مناورات عسكرية مشتركة اعتبرت رداً على تزايد وتصاعد القوة الصينية، إلا أنّ انسحاب أستراليا خلال فترة ولاية رئيس الوزراء كيفين رود أوقف عمل هذه الرباعية التي دخلت في غيبوبة طويلة، ما يعكس المخاوف الأسترالية بشأن الانضمام إلى تحالف ضدّ الصين مع إثنين من أعدائها التاريخيين، اليابان والهند.

ويعزى بدء ترتيبات الدفاع الأميركي والياباني والأسترالي والهندي، على غرار مفهوم السلام الديمقراطي، إلى رئيس وزراء اليابان شينزو آبي. كان من المفترض أن ينشئ التحالف الرباعي «القوس الديمقراطي الآسيوي»، وأن يشمل في النهاية بلداناً في آسيا الوسطى ومنغوليا وشبه الجزيرة الكورية ودولاً أخرى في جنوب شرق آسيا: «جميع البلدان الواقعة على حدود الصين تقريباً، باستثناء الصين نفسها». أدى ذلك ببعض النقاد، مثل الموظف السابق بوزارة الخارجية الأميركية مورتون إبرامويتز، إلى وصف المشروع بأنه «خطوة معادية للصين»، بينما وصفه آخرون مثل العالم السياسي ميخائيل غرين بأنه تحدّ ديمقراطي للصين، شنّته القوى الآسيوية بالتنسيق مع الولايات المتحدة. بينما كانت الصين تفضل تقليدياً منظمة شانغهاي للتعاون. سُمّي التحالف الرباعي «الناتو الآسيوي»، كما كتب دانييل توينينغ من صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة أنّ هذا الترتيب «قد يؤدي إلى نزاع عسكري»، أو قد يؤدّي بدلاً من ذلك إلى «وضع أساس دائم للسلام» إذا أصبحت الصين زعيمة ديمقراطية في آسيا.

في الثامن آذار من الشهر الحالي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً رباعياً لكلّ من الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون ورئيس الوزراء الياباني يوشيهيديه سوغا، وفيها يلتزم قادة رباعية «كواد» بإيجاد منطقة حرة ومفتوحة وآمنة ومزدهرة بين المحيطين الهادئ والهندي، إضافة إلى سعيهم لمواجهة وباء كورونا، والتعاون الوثيق مع المنظمات متعددة الأطراف بما في ذلك منظمة الصحة العالمية، وتعزيز شراكاتنا في جنوب شرق آسيا، بدءاً برابطة أمم جنوب شرق آسيا، لتعزيز الرؤية المشتركة لبلدان «كواد» وضمان السلام والازدهار فيها، هذا في ظاهر الرباعية، لكن ما هي أهداف واشنطن الحقيقية من وراء تفعيل «كواد» وتنشيط عملها والسعي لضمّ دول أخرى لها؟

1 ـ تحاول إدارة بايدن تطويق بكين مستعينةً بحلفائها لأجل تنفيذ هذه المهمة، محاولة حشدهم بالتشديد على أنّ رباعي الحوار الاستراتيجي له أجندة طموحة تقوم على القواعد كما تروّج إدارة بايدن منذ تسلّمها مقاليد الحكم في البيت الأبيض.

2 ـ تستغلّ واشنطن سعي دول «كواد» وبالرغم من علاقاتهم ومصالحهم الاقتصادية مع بكين، لوضع حدّ لصعود النجم الصيني، الذي تحوّل تنيناً يتمدّد في أغلب القارات من خلال مشروعها الإستراتيجي: مبادرة الحزام والطريق.

3 ـ استغلال رباعية «كواد» لتشكل قاعدة جديدة تهيّئ الساحة لواشنطن لتكوين بديلاً ومنافساً للشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي وقعت نهاية العام الماضي التي تضمّ الصين ودول أخرى في آسيا والمحيط الهادئ، وتشمل ما يقرب من ثلث سكان العالم ونشاطه الاقتصادي، ومن ضمنها اليابان وأستراليا، حيث ستؤدي عودة واشنطن للانخراط الفعّال في قضايا منطقتي المحيطين الهادي والهندي وفق اعتقاد إدارة بايدن، إلى إحداث تحوّلٍ في مواقف الدول الأعضاء في الشراكة، كون إدارة ترامب دمّرت العلاقات الأميركية مع الكثير من الدول التي انخرطت في هذه الشراكة، وفي غيرها من الشراكات والتحالفات في تك المنطقة الحيوية والهامة.

4 ـ تسعى واشنطن إلى تبديد مخاوف الكثير من دول المنطقة حيال منافسة القوى العظمى، بالترويج لأجندة براقة لرباعية لـ «كواد»، كمكافحة التغيير المناخي، والتأكيد على حرية الملاحة، واحتواء أيّ تهديد في بحر الصين الجنوبي، ومواجهة التحديات الملحة، وتسريع تأمين اللقاحات اللازمة لمواجهة وباء كورونا وغيرها من العناوين التي تظهر نعومة وجه واشنطن، التي تعمل في الحقيقة على إعادة إحياء تحالفاتها المترنحة، لأنّ ذلك سيوفر لها قدرة كبيرة وقاعدة عريضة من الحلفاء، الذين سيشكلون خطوط الدفاع الأولى في المواجهة الطاحنة المرتقبة بين واشنطن وبكين.

الصين من جهتها ترى أنّ تجديد التحالف الرباعي سيكون خطأ استراتيجياً فادحاً، وقد يؤدي الى مواجهة استراتيجية خطيرة معها، وعليه ترى بكين أنه على نيودلهي أن تنهي صيغة «كواد»، كونها تملك القدرة على ذلك، فضلا عن مصلحتها البعيدة المدى التي تكمن في عدم ربط نفسها بعربة الولايات المتحدة المناهضة للصين.

 إذاً الاستدارة شرقاً هي أولوية واشنطن الأولى والتي تتقدّم على ما عداها في أجندة واشنطن الخارجية، وهذا ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي بلينكين هذا الشهر عندما وصف علاقة الولايات المتحدة ببكين بأنها «أكبر اختبار جيوسياسي للقرن الحادي والعشرين». وقال إنّ هناك حاجة لإشراك الصين في الترتيبات التي تعمل واشنطن على تنفيذها في المنطقة من موقع قوة لا يمكن القيام به إلا جنباً إلى جنب مع الحلفاء والشركاء. وتابع بلينكن «انّ الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحدي النظام الدولي المستقرّ على القواعد والقيم والعلاقات التي تجعل العالم يعمل بالطريقة التي نريدها».

وبالتالي فإنّ السؤال الذي يطرح نفسها: هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية تعديل سلوك الصين كما تقول وتروّج؟ أم أنّ ذلك سيكون بداية الطريق الصيني لتعديل سلوك الولايات المتحدة وإعادتها إلى عزلتها من جديد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى