أولى

السياسة المنزوعة الأخلاق
لا تحكم إلا بفساد أخلاقها!

 د. كلود عطية

 

لا تولّد الأحقاد إلا الأحقاد، ولا تنهض بالتفرقة والنزاعات والنفوس المريضة البلاد. وبالتالي، نحن نعاني أزمة أخلاق في الحكم، وفي القاعدة التي استند إليها الحكام. فالسياسة المنزوعة الأخلاق لا تحكم إلا بفساد أخلاقها، ومتى كان الفساد أخلاقيّاً، فلا معنى للتحليل السياسي، ولا داعي للدراسات والأبحاث والخطط التي تحدّد إشكالية الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي. فالأزمة الأخلاقية هي بداية الخراب وطريقه ونهايته المحتمة، وبالتالي لا يمكن أن ينهض مجتمع فاقد للتربية الأخلاقية واحترام الإنسان والانتماء الحقيقي للوطن.

أما الواقع، فهو حقيقة الصراع من أجل البقاء الذاتي، والأمن الذاتي، والاقتصاد الذاتي، والانتماء الى خلية صغيرة لا تعترف حتى بالبيئة الاجتماعية التي تتواجد فيها، ولا حتى بالشوارع أو الطرقات أو المؤسسات، ولا حتى بالجماعات الأخرى، إلا بما يحقق مصالحها الضيّقة ورغباتها وغرائزها.

من هذا المنطلق، نرى أنّ الصراع السياسيّ، والاقتتال التاريخي على السلطة، هو جزء لا يتجزأ من الفوضى الاجتماعيّة من حيث تركيبتها السوسيولوجية والسيكولوجية. فنحن أمام تركيبة متزعزعة في أخلاقها، هدّدت وما زالت تهدّد النسيج المجتمعي اللبناني، وهي بالتالي قنبلة موقوتة حاضرة ودائمة يمكنها الانفجار بأية لحظة.

 هذه التركيبة التي تسرق وتنهب وتزرع فساد أخلاقها في الأرض، حيث تراها ترمي النفايات في كلّ مكان، تعنف وتغتصب وتقطع الطرقات، تلوّث البيئة الطبيعية والاجتماعية. هي نفسها التركيبة السياسية الحاكمة، التي تفجّر كلّ شيء وتحرق البلاد والعباد كي تبقى متربّعة على عرش السلطة. وكأنّ لبنان مؤسسة تجارية هدفها الربح بأية وسيلةوصلت حدودها الى القتل والحرق والتهجير والتفجير والتهديد والمتاجرة بأرواح الناس وأرزاقهم وأعناقهم

هذه هي حقيقة البنية الاجتماعية السياسية في لبنان.. بنية مشبوهة تفتقد الى العنصر الأساسي الذي يبني الإنسان والأوطان، وهو «عنصر الأخلاق».

بناء على ما تقدّم، نستطيع القول إنّ أهمّ الفلاسفة الذين نظّروا لمفهوم الأخلاق قد اعتبروا الإنسان كائِناً يمتلك استعداداً للسير بطريق الخير والصلاح ولديه ميول غرائزية تدفعه نحو طريق الشر؛ وهذا بالطبع ما يحصل في لبنان، حيث نرى الميول الغرائزية هي المتحكمة بتفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية، وخاصة الغريزة الطائفية المريضة، وغريزة التعصّب والجهل والتبعية والولاءات التي لا تصبّ في مصلحة الإنسان والمجتمع.

«من هنا كانت المناهج الأخلاقية هي الدالّة على الخير، وأنّ المعايير الخلقية هي الحاكِمة لتشييد مجتمعات بشرية قوامها الأخلاق، ولتكون الحضارة والمدنيّة والتقدّم والعدل والسلم كلّها انعكاسات طبيعيّة تنتجها تلك المجتمعات». وبذلك فقد اعتبر كانط ومَن سار على نهجه «أنّ مفهوم الأخلاق إنّما هو الوسيلة نحو السعادة وأنّه المعيار الذي من خلاله يُصنّف الخير والشر».

وهنا يمكننا أن نصنّف المجتمع اللبناني بأنه مجتمع لا يعرف السعادة لأنه يعاني من نقص حادّ في المناهج والمعايير الأخلاقية، كما يمكننا تصنيف النظام السياسي اللبناني بأنه نظام طائفي لا يعير أيّ أهمية للأخلاق في إدارة الدولة ومؤسساتها.

في النهاية، النتيجة واحدة، كما قالها سعاده: «الأخلاق هي في صميم كلّ نظام يمكن أن يُكتب له أن يبقى»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى