أولى

الانتخابات الفلسطينية… إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً

 سعادة مصطفى ارشيد*

انقضت شهور على وصول الرسائل الأوروبية لقيادة السلطة الفلسطينية في رام الله، تطالبها بإلحاح، بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، وترافقت تلك الرسائل بإشارات تربط استجابة السلطة الفلسطينية باستمرار الدعم المالي والسياسي الأوروبي لها. من هذه النقطة اخذ موضوع إجراء انتخابات يدرس ويناقش بشكل جدي، لا إعلامي ودعائي كما كان يحصل سابقاً. سارع الحزب الحاكم في الضفة الغربية (حركة فتح) بفتح حوار مع الحزب الحاكم في قطاع غزة (حركة حماس)، سارت بسرعة وحققت نجاحات سريعة، وذلك لحاجة الفريقين لانتخابات تحفظ لكل منهما مكاسبه، وربما لعب الانسجام الشخصي – بين مَن مثّل الفريقين في الحوار – دوراً في التوصل إلى نتائج سريعة، أعقب هذا النجاح الرغبة في إعطاء مخرجات ما توصل إليه القطبان الرئيسان شكل الإجماع الوطني، فعقد لقاء الأمناء العامين في بيروت ثم القاهرة، وكان كل شيء معد سلفاً، وبقي أن يشارك الجميع – وقد شاركوا في الإخراج، ولم يخرج عن ذلك الإجماع إلا حركة الجهاد الإسلامي. يتركز القرار الفلسطيني بيد الرئيس أبو مازن، فهو رئيس الدولة، ومنظمة التحرير، وكذلك السلطة الفلسطينية وحركة فتح، لم تكن عملية إقناعه بخوض مغامرة الانتخابات بالأمر السهل، وهو المعروف بحذرة وحيطته. فالخسارة هذه المرة ستكون أخطر من سابقتها عام 2006، إلا أن أطرافاً مقربة منه، وطامحة لوراثته، استطاعت إقناعه، كل بإبداء ضماناته، فريق منهم يرى انه الأقوى والأكثر إمساكاً بمفاصل السلطة، أكد أن بإمكان فتح الحصول على 50 % + 1 من مقاعد المجلس التشريعي، فيما أكد فريق آخر أن الاتفاق مع حركة حماس على قائمة مشتركة تحصل فتح بها على 50% + 1 أمر سهل، وبهذا اقتنع الرئيس أبو مازن وأصدر مرسوم إجراء الانتخابات، وأعطيت الإشارة للجنة الانتخابات المركزية لتنطلق بالعمل. لكن حسابات الحقل بالغة التفاؤل، عاد وبدا أنها لن تقترب من حسابات بيدر النتائج الواقعيّة، فنسبة التسجيل في قوائم الناخبين شهدت إقبالاً غير متوقع فقد تجاوزت حاجز 90 % من أصحاب حق الاقتراع، الأمر الذي يشير إلى رغبة عارمة لدى المواطن الفلسطيني في التعبير عن رأيه وبالتغيير، ثم أن عدد الكتل المرشحة قد وصل إلى 36 قائمة، شملت جميع الأطر السياسية والاجتماعية باستثناء الجهاد الإسلامي، وبعض الفصائل الصغيرة التي فاتها الوقت، عندما اكتشفت بعد فوات الأوان أن مَن وعدها من القوائم الرئيسة بإدراجها لم يفِ بوعده. اختلاف الحسابات وما أحدثه من قلق، كان السبب وراء غضبة الرئيس أبو مازن في اجتماع اللجنة المركزية في 19 نيسان، وهو داعٍ إضافي من دواعي تأجيل الانتخابات التي تمّ التحوط لها وإعداد ذرائع التأجيل، وأولها دور القدس وطريقة مشاركتها في الانتخابات، ورسالة الأسرى للرئيس، وربما قريباً جائحة كورونا، أو التذرع بحادث في الأغوار كمصادرة أرض أو هدم منزل، أو اقتلاع أشجار في محيط المستوطنات، من هنا يمكن الدخول على موضوع ما يجري في القدس ومآلاته، في محاولة لتقديم قراءة واقعية تدرأ شر الإحباط بالمستقبل، تلتزم بالحقائق لا بالأماني التي تمنّاها كاتب المقال ومن قبله كثير من أبناء الوطن لم تتوقف بلدية القدس اليهودية عن سعيها لتغيير القدس الشرقية (وفي مركزها القدس العتيقة) معالم وثقافة، للاستيلاء على المدينة وخلق تاريخ زائف لها وصناعة أثر مكاني جديد، ولطمس شخصية المقدسي. وكان من هذه الإجراءات بناء مدرج عصري قبيح لا يتناسب معمارياً مع السور التاريخي، يتم عبره الدخول إلى باب العامود الشمالي والمعروف بباب دمشق وباب نابلس وهو أجمل أبواب المدينة، ومع ذلك فقد استطاع المقدسيّون التعامل مع هذا الواقع الجديد، فأصبح مكاناً للقاء والتجمع وأكل الكعك المقدسيّ وشرب العصائر، بشكل أو آخر، حوله المقدسيون إلى شيء من (هايد بارك مقدسي)، وهو ما أزعج الاحتلال وبلديته، فقامت بوضع حواجز معدنية، لمنع الجلوس وجعله مكاناً للمرور فقط، وهي الشرارة التي أشعلت النار في الهشيم المتراكم. القدس بطبعها ترى أنها تقود ولا تقاد، وهي مدينة عالميّة على صغرها النسبي  ( ( METROPOLITAN، وساعد الإهمال وابتعاد الأردن والسلطة الفلسطينية، على إيجاد لاعبين جدد وكثر في ميادينها، وفي حين أن هايد بارك لندن يضمّ منظرين وسياسيين ومجانين وغريبي الأطوار، يتحدثون بما يحلو لهم. فإن هايد بارك القدس يتعاطى مع أجندات متباينة، ويتناول مسائل حقيقية، ووجد به أنصار السلطة وتأجيل الانتخابات فرصة للعمل على ذلك، فيما وجد به غيرهم فرصة للتطاول على السلطة ورئيسها، وممارسة حملة انتخابية مبكرة، ترافقت مع تصعيد شديد، في جبهة الجنوب، وإطلاق عدد كبير من الصواريخ من غزة إلى شمالها. كنت قد ذكرت في مقال الأسبوع الماضي، وجود احتمال أن (إسرائيل) قد تكون بصدد الإعداد لترتيب مقلب سياسي للسلطة، إذ تدعها تستثمر في القدس وحق الفلسطيني بالاقتراع بها، وفي هبّة باب العامود، ذرائع لإلغاء الانتخابات، وفي اللحظات الأخيرة تفاجئ الجميع بموافقتها وسماحها بإجراء الانتخابات وفق الآلية القديمة التي جرت بموجبها انتخابات عامي 1996 و2006، وتناقضت التصريحات ما بين المسؤول الفلسطيني – وزير الشؤون المدنية وبين وزارة الخارجية، إذ قال الوزير الفلسطيني إن (الإسرائيليين) قد أبلغوه بعدم موافقتهم على إجراء الانتخابات بالقدس، في حين أن رئيس القسم السياسي بوزارة الخارجية (الإسرائيلية) أبلغ وفداً من ثلاثة عشر سفيراً أوروبياً، بأن دولته لا تمانع إجراء الانتخابات، وأنها ترى في ذلك شأناً فلسطينياً، وكانت زيارة السفراء هذه قد جاءت اثر جولة قام بها وزير الخارجية الفلسطيني إلى أوروبا، قال فيها إن حكومة الاحتلال هي مَن يعرقل إجراء الانتخابات. مساء هذا اليوم الخميس ستجتمع القيادة الفلسطينية في رام الله، حيث يؤكد المقربون منها أن إعلاناً بتأجيل الانتخابات مستنداً إلى ذريعة القدس سيصدر؛ الأمر الذي سيدخل الحالة الفلسطينية في أزمات جديدة، كانت في غنى عنها، لو لم تدخل في هذه المغامرة غير المكتملة، أربع عشرة قائمة انتخابية منها القوائم الرئيسة باستثناء قائمة فتح، أبلغت لجنة الانتخابات المركزية أنها ترفض تأجيل الانتخابات. إنها حالة بائسة، ومما يعبر عن بؤسها وتهافتها، ما تناقله الإعلام ووسائل التواصل الالكتروني بالصوت والصورة، لعضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، يرى فيها أن الانتخابات تتعارض بالأصل مع نهج الثورة والمقاومة الذي تلتزم به حركة فتح والسلطة، الأمر الذي يدعو المستمع المهذّب والحصيف، لأن يقول، اللهم لا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبي الله ونعم الوكيل.

*سياسي فلسطيني مقيم في جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى