عربيات ودوليات

بايدن يستبدل الجزرة بالعصا في سياسته مع تركيا

} د. هدى رزق

 يأتي اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن بحوادث 1915 ومقتل مليون ونصف مليون أرميني على أنه «إبادة جماعية» في الوقت الذي يواجه فيه الرئيس التركي رجب أردوغان اتهامات من قبل المعارضة بهدر 128 مليار دولار من أموال الخزينة العامة، من قبل زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليجدار أوغلو ومنظمات المجتمع المدني.

قال الرئيس التركي إنّ الأموال أنفقت للدفاع عن العملة المحلية، وكانت عمليات طرد أردوغان المتتالية لمديري البنوك المركزية والتدخل في سعر الفوائد قد أدّت إلى تعزيز مناخ عدم اليقين، حيث تتنافس الأحزاب السياسيّة في اتهام السلطة السياسية بالفساد الذي يعتري الحكومة في ما تسجل إصابات بأعداد كبيرة من جراء فيروس كورونا الذي يحمّله الرئيس التركي مسؤوليّة فقدان الأموال وصرفها.

اتصل بايدن بالرئيس التركي أردوغان بعد أكثر من ثلاثة أشهر على توليه الرئاسة في 23 نسيان، أيّ قبل يوم واحد من اعترافه بالإبادة. كان ينظر إلى هذا التأخر من قبل المسؤولين والمحللين الأتراك على أنه مقلق وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت في 21 نيسان أنّ بايدن سيعترف بأحداث عام 1915 على أنها «إبادة جماعيّة» ضدّ الأرمن كجزء من بيانه في 24 نيسان، يأتي هذا التاريخ ليحشد الدياسبورا الأرمنية في العالم الغربي وبعض الدول العربية في لبنان وسورية ضدّ تركيا. ويضع هذا الملف على نار حامية ليطال أرمينيا وعلاقتها بتركيا لا سيما بعد معارك ناغورنو كاراباخ والتطوّرات التي حصلت في هذا الملف.

ومع أنّ أردوغان كان قد قام بعدة خطوات شكلت رسائل ودية للولايات المتحدة في محاولة واضحة لإعادة العلاقات المتوترة مع حليفه في الناتو، إلا أن بايدن لم يقم بأيّ إشارة تدلل على ايّ إيجابية في المقابل. فالملفات الخلافية كثيرة، لكن يمكن قراءة خطوة بايدن بالاعتراف بالمذبحة الأرمنية على أنها رمزيًة الى حدّ كبير في دلالتها على الاقتصاص من سياسات أردوغان التي سكت عنها ترامب وتصميمه على حسم العلاقة مع تركيا، في معظم الملفات العالقة وسيعني الابتعاد عن عقود من اعتبار العلاقة بين أنقرة وواشنطن تحالفاً، فالأمر يحتاج الى حسم فإما تجديد العقد أو تنظيم الاختلاف.

كان بايدن قد شارك بإحياء ذكرى الأحداث التي أودت بالنساء والشيوخ والأطفال الأرمن في 24 نيسان 1915 الذين فقدوا حياتهم في أواخر عهد السلطنة العثمانيّة، ووعد الجالية الأرمنية التي أيدته في الانتخابات بأنه سيدعم جهودها للاعتراف بـ «الإبادة الجماعيّة»، وتعهّد بـ «دعم حقوق الإنسان وجعلها أولوية لديه.

كانت تركيا ولا تزال تعارض الأرقام وتنفي أنّ عمليات القتل كانت مدبّرة بشكل منهجي أو أنها تشكل إبادة جماعية. استنكار جاء من الحكومة التركية والمعارضة على السواء التي كانت ولا تزال تنتقد سياسة أردوغان الخارجية لكنها تقف ضدّ الاعتراف بالإبادة الأرمنية، واعتبرت انّ سياسة الحكومة التركية هي التي أدّت إلى هذا القرار من قبل الولايات المتحدة، وحده حزب الشعوب الديمقراطي حزب المعارضة الوحيد الذي يعترف بالإبادة الجماعيّة للأرمن وقد تعرّض لانتقادات شديدة بسبب وصفها بأنها إبادة جماعية، ودعا تركيا إلى مواجهة تاريخها وتحقيق العدالة.

في تصريحات سعت لتخفيف الضربة، قال مسؤول أميركي إنّ واشنطن تواصل اعتبار تركيا حليفاً حاسماً في الناتو وتشجع أرمينيا وتركيا على السعي لتحقيق المصالحة. كان معظم رؤساء الولايات المتحدة الأميركية – عدا الرئيس رونالد ريغان 1981 – قد امتنعوا عن وصف عمليات القتل بأنها إبادة، بسبب المخاوف بشأن العلاقات مع تركيا والضغط الذي يمكن ان يوتر صفو العلاقة الاستراتيجية التي تميّزت بها تاريخياً مع واشنطن إلا أنّ الخلافات في قضايا تتراوح بين شراء تركيا أنظمة الدفاع الجويّ الروسية «أس 400» واستنكاف واشنطن عن إعطاءها طائرات «أف 35» بعد أن دفعت تركيا ثمنها وشاركت في صناعتها إضافة الى الخلافات السياسية في سورية ودعم واشنطن للقوات الكردية «قسد» وإصرار أميركا على محاكمة «هالك بنك» لتخطيه العقوبات ضدّ إيران والتعامل معها. كذلك قضية الاتهام الذي وجهه أردوغان لواشنطن بدعم غولن المتهم بمحاولة الانقلاب عام 2016. يُضاف إليها نقد الإدارة الأميركية الجديدة للعلاقة القريبة التي جمعت أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصفه بايدن بالقاتل ووجّه له تهماً بالوقوف ضدّ حقوق الإنسان في قضية نافلني وقضية التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية وغيرها من القضايا الخلافيّة.

هل سيؤدّي هذا الاعتراف الى تدهور العلاقات بالفعل، لم يكن هناك ما يمنع بايدن من اتخاذ هذا الموقف لا سيما أن لا حلفاء لأنقرة في الحكومة الأميركية من أجل الضغط عليه، لكن أنقرة تخشى من أن يقوم اللوبي الأرمينيّ بتحويل هذا الموقف الى وثيقة قانونيّة لمطالبة تركيا كوريث للدولة العثمانيّة بدفع تعويضات أو إعادة أملاك أرمنيّة.

أردوغان الذي يرى أنّ بايدن لم يلتقط إشارات التقارب المصلحيّ الذي يمكن أن يجمع البلدين واختار هزّ العصا لا يريد الاعتراف أنّ في يد أنقرة ما يفيده في سياسته في سورية والعراق والقوقاز، وانّ تركيا اليوم لا تشبه نفسها قبل أربع سنوات. إلا أنه يعترف بالحاجة الى الحديث المطوّل في شهر حزيران مع صديقه القديم إبان قمة الأطلسي المرتقبة في بروكسل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى