أولى

فرصة للعرب المقاومين: أميركا تنشغل في الداخل وتتراجع في الخارج؟

 د. عصام نعمان*

لمناسبة مضيّ مئة يوم على توليه الحكم، رَسَم الرئيس الأميركي جو بايدن في خطابه أمام الكونغرس الخطوط العريضة لسياسته الداخلية والخارجية خلال سنوات ولايته الأربع. من المهم التوقف عند المفاصل الرئيسة لخطاب بايدن نظراً للدور المؤثر الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم لا سيما في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر الابيض المتوسط غرباً الى شواطئ بحر قزوين شرقاً.

في مقاربته للقضايا والتحديات التي تواجه بلاده، أبدى بايدن اهتماماً وانشغالاً بالداخل اكثر من الخارج. أراد التأكيد على ان الولايات المتحدة تتعافى بفضل مليارات الدولارات التي تعهد بضخها لإنهاض الاقتصاد المتعثر وذلك بإنفاق ما يقارب 3 مليارات دولار لتعزيز الاستثمار بغية خلق «ملايين الوظائف» للأميركيين الذين يشعرون بأنهم منسيون ومهملون، وتعزيز الإنفاق على رعاية الأطفال، والتعليم، والإجازات المدفوعة الأجر ضمن ما يُعرف بخطة «العائلات الأميركية». السناتور تد كروز لخّص، باسم زملائه الجمهوريين المعارضين، «الرؤية الاشتراكية» للرئيس الديمقراطي ووصفها بأنها «مملّة لكن راديكالية».

قد تبدو رؤية بايدن راديكالية بالمقارنة مع السياسة الداخلية لسلفه دونالد ترامب، لكنها ليست راديكالية البتة بالمقارنة مع سياسته الخارجية. ذلك انّ الرئيس الأميركي أوحى في خطابه بأن بلاده تعافت في الداخل، او أنها في سبيلها الى ذلك، لكنها تتراجع في الخارج، لكونها لا تبتغي التصعيد ضد روسيا والصين وإيران.

  يهمّنا في المشرق العربي معرفة ما يعتزم الرئيس الأميركي فعله حيال القضايا العربية الرئيسة في هذه المرحلة، فماذا تراه يريد؟

حرص بايدن في خطابه على التأكيد بأن طموحات إدارته تتركز على تثبيت مكانة بلاده في العالم بعدما نالت منها كثيراً سياسة ترامب ومواقفه المتقلّبة والمتناقضة، وبأنه لا يتوخى التصعيد، بل المنافسة مع سائر دول العالم، خصوصاً مع روسيا والصين.

غير أن ثمة ثلاث قضايا لافتة غابت او غيُبّت عن خطاب الرئيس الأميركي:

أولاها، المحادثات المباشرة الجارية في فيينا بين الولايات المتحدة وسائر شركائها في الاتفاق النووي، وتلك غير المباشرة الجارية مع إيران بشأن ترتيبات عودة أميركا الى الاتفاق المذكور. بايدن لم يُشر اليها رغم أهميتها البالغة ربما لأنها لم تصل بعد الى نتائج وازنة، أو لأنها في طريقها الى ذلك ما يستوجب عدم كشفها توخياً لتفادي إفسادها من طرف المتضرّرين منها.

ثانيتها، مخاوف «إسرائيل» من عودة أميركا الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران دونما فرض قيود عليها ما يمكّنها من المضي في تخصيب اليورانيوم، وتعجيل امتلاكها سلاحاً نووياً، وتطوير صناعة الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، وتهديد أمن الكيان الصهيوني.

ثالثتها، عدم الإشارة الى ما تعتزم أميركا تقديمه من ضمانات لحلفائها في منطقة غرب آسيا، خصوصاً في الخليج، المتخوفين من تداعيات رفع العقوبات عن إيران بعد عودة أميركا الى الاتفاق النووي.

يوحي عدم تطرّق خطاب بايدن الى هذه القضايا عن تراجع أميركا في الخارج في ساحات ومجالات عدّة. فواشنطن أكدت أنها ستسحب قواتها من افغانستان، وبايدن لم يُشر في خطابه، كما كان يفعل دائماً الرؤساء السابقون، الى القوات المسلحة وما يعتزم عمله لتعزيز قدراتها، فهل تراه ينوي سحب قواته من ساحات أخرى ايضاً بعد إخلائها من افغانستان؟

وسائل الإعلام الأميركية لاحظت امتناع رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي عن التصفيق، كما فعل سائر الحاضرين، عندما أعلن بايدن قرار الانسحاب من أفغانستان. فهل امتناعه مؤشر الى موقفٍ سلبي من الدولة العميقة في واشنطن حيال مخطط بايدن للانسحاب من أفغانستان، وربما من غيرها من دول غرب آسيا؟

أيّاَ ما يكن الأمر، فالمشهد السياسيّ يُشير الى أن ثمة تراجعاً للنفوذ وحتى للحضور العسكري الأميركي في الخارج ما يتيح للعرب المقاومين، حكوماتٍ وحركات مقاومة، فرصةً تغري باغتنامها لتفعيل مواجهة الهجوم الصهيوأميركي الذي ما زال ناشطاً في المنطقة، فما هي الاحتمالات المرجّحة في هذا المجال؟

لعلها خمسة:

تصعيد المقاومة لإجلاء القوات الأميركية من العراق تنفيذاً لقرار مجلس نوابه.

تعزيز المقاومة لإجلاء القوات الأميركيّة والتركية من كل أنحاء سورية لا سيما من مناطق الحدود المتاخمة للعراق وتركيا.

تثبيت قواعد الاشتباك بين حركات المقاومة في لبنان وسورية وقطاع غزة ضد «إسرائيل» بغية تحقيق هدف التوازن الردعي معها.

ضمان التواصل الجغرافي الآمن بين دول محور المقاومة لتأمين الانفتاح السياسي والنقل البري والتبادل الاقتصادي والمسافرين في ما بينها.

تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول محور المقاومة لا سيما لجهة المواد ذات الطابع الاستراتيجي كالنفط والغاز.

 هل يغتنم العرب المقاومون الفرصة المتاحة أم يتريثون بانتظار ما ستنتهي اليه محادثات فيينا حول عودة أميركا الى الاتفاق النووي ورفع عقوباتها عن إيران؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى