الوطن

المبادرة الفرنسيّة ضحيّة صراعات الإقليم!

} د. وفيق إبراهيم

المبادرة الفرنسيّة التي حملها معه وزير الخارجية الفرنسية لودريان، لم تتوقف لأسباب تتعلق برفض الرئيس ميشال عون لها أو برفض رئيس المجلس النيابي نبيه بري لبعض بنودها.

لذلك يبدو أن المسألة عميقة أكثر مما يبدو في ظاهر الأمور وقد ترتبط بمناوشات إقليمية لم يتوصل فيها الطرفان الأساسيان السعودي من جهة والسوري – الإيراني من جهة ثانية الى خاتمة سعيدة تعيد الاستقرار الى كامل الإقليم بصراعاته المفتوحة.

الحقيقة أن الوزير لودريان وصل بيروت في زيارة خاطفة بدا فيها وكأنه يحمل حلاً سحرياً بوسعه إطفاء الفوضى التي تضرب لبنان بأسره وتشمل في آن معاً الصراعات بين الطرفين المسيحيين الأساسيين التيار الوطني الحر وحزب القوات المتعاركين في كل ناحية من جهات المناطق المسيحية.

وبوسعها أيضاً الاستفادة من الاستقرار الكامل في المناطق الشيعيّة، حيث يسيطر كل من حزب الله وحركة أمل بشكل كامل، بالإضافة الى الإمساك الكامل لوليد جنبلاط في مناطق الدروز بكاملها. وهذا يميط اللثام عن أن لودريان أسرع في محاولة لإيجاد حلول للفوضى التي تضرب لبنان انطلاقاً من المناطق السنية، حيث يسود التعدّد الفوضويّ والمناطق المسيحية المهدّدة فعلياً بالغرق في قتال داخلي غير محدود قد لا يستطيع إلا الجيش اللبناني التعامل معه.

بذلك يبدو أن لودريان أسرع إلى بيروت متكئاً على الهدوء الشيعي في البقاع والجنوب والضاحية الجنوبية ومناطق الدروز بما يشمل من بقاع وجنوب وجبل، على أن يستفيد من هذا الهدوء للإمساك بالفئات المتقاتلة عند المسيحيين والسنة.

لكن لودريان أصيب بخلل في الحركة عند الرئيس عون الذي لم يوافقه، كما يبدو على حلول يستفيد منها منافسه في القوات اللبنانية سمير جعجع ببعض المغانم السياسية.

هذا بالإضافة إلى أن الشارع السياسي السني لم يتجاوب معه في إعادة تنشيط أدوار سعد الحريري الداخلية والخارجية، حتى أن السعودية نفسها لم تقبل بسعد رئيساً للوزراء وأصرت كما يبدو على بدلاء له أكثر ولاء لها منه.

توقفت إذاً عجلة لودريان عن الحركة عند الرئيس عون الذي رفض إيلاء القوات أية أدوار سياسية مركزية، كما أنها لم تتمكن من كسب تأييد بري لمقترحاته لأسباب تتعلق بالصراعات مع سمير جعجع وحلفائه.

هذه هي الأسباب التي أصابت لودريان بالإحباط وجعلته يدعو أحزاب وقوى المجتمع المدني الى سفارته الفرنسية في بيروت في محاولة لدفعها نحو التحرك الشعبي.

وهذا حلّ فيه من التسرّع ما يصيب بالقلق، فكيف يشجع لودريان هذه القوى وهو العارف عبر أجهزة مخابراته أن ادوارها سطحية أمام قوى أمل وحزب الله او الحزب التقدمي الاشتراكي أو حتى الجيش اللبناني.

فمثل هذه المحاولة السطحيّة قد تؤدي الى سيطرة القوى الكبرى على الشارع وطردها لهذه القوى الشبابية.

هذا بالإضافة الى ان قوى الإقليم الكبرى في السعودية وسورية وإيران لن تقبل أبداً بمثل هذه الهرطقات الشبابية لتمسك بالشارع مقابل القوة الهائلة لحركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي.

لذلك توقفت مساعي التشجيع الفرنسيّة لشباب لبنان صباح اليوم التالي على اجتماعها وتبدّدت هباء منثوراً ما يدفع لودريان الى البحث عن حلول سياسية جديدة لا تبتعد عن القوى الأساسية الشعبية في البلاد.

لا بدّ هنا من الاشارة الى ان لودريان يستفيد من التأييد السعودي الأميركي لحركته اللبنانية مقابل تريث إيراني – سوري يرى أن هذه الامور لم تنضج بعد. بما يؤكد ان التفاهمات الإقليمية لا تزال في طورها الأول فهناك المفاوضات الإيرانية – السعودية والإيرانية الأميركية والسورية الأميركية وهي مفاوضات منطلقة لم تصل الى أي حل أساسي من الحلول وتنتظر تقدّماً في حركتها حتى تنعكس على الوضع اللبناني خصوصاً، والسوري الايراني السعودي بشكل عام.

لذلك تؤكد هذه المطالعة على جمود حركة التوافقات السياسية اللبنانية بانتظار حدوث تقدّم ما على مستوى الإقليم هو الوحيد الذي بوسعه دفع التوافقات الداخلية اللبنانية الى مستويات مقبولة للبدء بحوارات ناجحة.

فإذا كان الانتداب الفرنسيّ نجح في 1920 ببناء لبنان القديم فإن الوضع الحالي صعب جداً، لأن الأمور لا تقتصر على المسيحيين وقلة من السنة، بل أصبحت تشمل أكثرية شيعيّة محترمة من الصعب تجاوزها من دون إيلائها من الحقوق السياسية والطائفية ما يضعها طرفاً أساسياً لبنانياً أقوى مما كان عليه في مطلع القرن العشرين بثلاثين مرة على الأقل.

الوضع اللبناني الحالي هو إذاً في وضعية انسداد يترقب حدوث مفاجآت على مستوى الإقليم كي يتدبر حلولاً سحرية لخلافات تحتاج إلى جهود أميركية وفرنسية وسعودية وسورية وإيرانية، وهذه ليست موجودة بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى