نقاط على الحروف

مضمون النصر في الانتخابات الرئاسيّة السوريّة

 ناصر قنديل

– يحاول خصوم سورية ومحور المقاومة إخفاء متابعتهم بالتفاصيل الصغيرة ليوم الانتخابات الرئاسية السورية، التخفيف من أهمية ومضمون النصر الذي مثله المشهد الانتخابي، سواء من خلال التشكيك بالأرقام المعلنة بنهاية الانتخابات، أو بالتساؤل عن مبرر الحديث عن نصر والنتيجة كانت معلومة، أو بترويج جملة من التعليقات التي تصور الاستحقاق حدثاً عادياً لا يستحق كل هذا الاهتمام، وهؤلاء طبعاً كانوا في طليعة المهتمين بما جرى في سورية في هذا اليوم الطويل، وما جرى في بلدان الاغتراب والنزوح السوري قبله بأيام.

– كان الحديث منذ عام على الأقل في عواصم الدول التي خاضت الحرب على سورية ولم تبدّل بعد بقراءتها وحساباتها، رغم النهاية المهينة لرهاناتهم العسكرية على إسقاط سورية طوال عشر سنوات، وتسليمهم بفشل هذه الرهانات، وصولاً للتسليم باستحالة مواصلتها، حتى لو كانت واشنطن تتمسك ببقاء قواتها، فقد كان معلوماً أن سورية لن تتقبل بقاء أراضيها في الشمال موزعة بين احتلالين أميركي وتركي، ومعهما جماعات مسلحة إرهابية وانفصالية، وأن سورية تحظى بالتزام حلفائها في روسيا وإيران وقوى المقاومة بمؤازرتها في تنفيذ قرار تحرير أراضيها المحتلة إذا فشلت المساعي السياسية بإخراج الاحتلال.

– كان رهان عواصم الحرب على سورية قائماً على نتائج متوقعة للعقوبات القاسية التي رافقت الحصار الظالم، بحيث يترتب على الضغط الاقتصادي الشديد الذي وقعت سورية فيه، وما ترتب منه على القدرة الشرائية للعملة الوطنية السورية من ضغوط، استعداداً لدى القيادة السورية لتحويل الاستحقاق الرئاسي الى فرصة للمساومة حول شروط الحل السياسي يفرض خلاله أعداء سورية مقاييسهم ومعاييرهم وشروطهم، بما يصيب مفهوم السيادة الذي تتمسك به سورية بمقاربتها للاستحقاقات الدستورية بلا استثناء وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي، الذي يشكل حسمه وفق القواعد السيادية السورية، نقطة ثقل لا يمكن تجاهلها في مقاربة مستقبل سورية، ودور التجمّعات التي تشغلها الدول التي تترصّد سورية وتحمل كل الحقد عليها، وراهن هؤلاء على الضائقة الاقتصادية الخانقة لفتح باب تفاوض خلفي سواء بصورة مباشرة، أو عبر وسطاء وصولاً لتقديم العروض لحلفاء سورية، لربط رفع العقوبات وفك الحصار بموافقة القيادة السورية على ربط إجراء الانتخابات الرئاسية بتفاهم سياسي على مستقبل سورية، وصولاً الى الدعوة لتأجيل هذا الاستحقاق بانتظار التوصل لهذا التفاهم، وفي حساباتهم أنه إن تمّ تحقيق شروطهم السياسية بنتيجة الضغط الاقتصادي كمعبر إلزامي للانتخابات، سيكون قد تحقق ما فشلت الحرب في تحقيقه، وإن تمّ تأجيل الانتخابات بربط إجرائها بالتوصل لتفاهم سياسي مع الخارج، طلباً لاعترافه بنتائجها، فسيكون لسقوط الشرعيّة الدستوريّة عن القيادة السوريّة تأثيره على عناصر قوتها التفاوضيّة.

– عندما وقع اليأس مرة أخرى في نفوس هؤلاء من نجاح ضغوطهم بتحقيق أهدافهم، راهنوا على تأثير الضائقة الاقتصادية على نسبة تفاعل السوريين داخل سورية وخارجها مع الانتخابات، وتوقّعوا مناسبة باهتة، يشارك فيها عشرات الآلاف من الموظفين الذين تُجبرهم أوضاعهم الوظيفيّة على المشاركة، ويكون المشهد كئيباً وشاحباً بما يتيح تأليب حملة دولية على صدقية العملية الانتخابية ودرجة تعبيرها عن إرادة السوريين، وقد بذل هؤلاء كل جهودهم للضغط لبقاء النازحين خارج سورية، وعطلوا كل مبادرة لعودتهم، أملاً بتوظيف ذلك في الإمساك بقرارهم من خلال المساعدات الماليّة التي يتلقّونها، ونظّموا الحملات الإعلاميّة التي تربط الاستحقاق الرئاسي بما يسمّونه بالحل السياسيّ الذي يشكل الاسم السريّ لرضوخ سورية لشروطهم، ولذلك قامت عواصم عديدة بمنع السوريين من المشاركة في الاستحقاق في السفارات السورية، بينما راهن آخرون على توثيق مشهد السفارات خالية من المشاركين إذا تمّ فتحها أمامهم.

– أهمية ما جرى في الانتخابات الرئاسية في سورية، هو أنه أظهر مرة أخرى درجة تمسك القيادة السورية بكل ما يجسّد البعد السيادي للدولة، ورفض السماح بجعلها موضوعاً للتفاوض، وقد لاقى السوريون صلابة قيادتهم بمثلها، وترجموا خارج سورية مغتربين ونازحين موقفهم بكثافة المشاركة التي غصّت بها السفارات السورية حيث أتيح ذلك، ليقوم السوريون داخل سورية رغم كل الضائقة التي يعيشونها على الصعيد الاقتصاديّ، بتحويل يوم الانتخابات الرئاسية الى عرس وطني غير مسبوق إظهاراً للتحدّي، وتأكيداً على البعد السيادي، وتثبيتاً للقيادة التي ائتمنوها على بلدهم وحفظت الأمانة، فجاءت الصفعة مدوية على وجوه الذين كانوا يقفون لسورية بالمرصاد، ويكيدون لها المكائد، وكان يوم الانتخابات الطويل بالحشود المليونية التي نقلتها بالصورة كل فضائيات العالم، أكبر من أن يتم التلاعب بالحقائق التي قالها، بحيث سقطت معه آخر الرهانات على العقوبات والحصار، وعلى الفراغ الدستوريّ أو على إفراغ الاستحقاق الدستوري من مضمونه السيادي، ولسبع سنوات قادمة على الأقل هي مدة الولاية الدستورية الجديدة للرئيس بشار الأسد، سيكون على الجميع التعامل مع مشيئة السوريين الواضحة، برفض الخضوع، وقرار قيادتهم الحاسم والحازم برفض المساومة على الثوابت السياديّة.

– ما جرى في الانتخابات الرئاسيّة السوريّة انتصار يعادل ويتوج الانتصارات العسكرية، وبداية مرحلة جديدة، سيكون التسليم بنتائج ما قالته وقائع هذا اليوم، مشابهاً للتسليم بوقائع ما قاله الميدان العسكري، ليكتب لسورية أنها تكتب مصيرها بأيدي أبنائها، ومخطئ ومشتبه من يظن أنه يمكن كسر إرادة السوريين بالحرب او بالحصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى