أولى

نتائج «انتفاضة القدس» ومواجهات غزة… على الفلسطينيّين

 د. جمال زهران*

في المقال السابق بعنوان: فلسطين: من شهر «النكبة» إلى شهر «الانتصار»، تحدثت فيه بشأن نقطتين. الأولى هي: أنني دعوت إلى القفز على حديث النكبة إلى حديث الانتصار، واعتبار عيد 21 مايو 2021، عيداً للنصر وبداية تحرير فلسطين وإزاحة الكيان الصهيوني من فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى عيد المقاومة والنصر في 25 مايو/ أيار 2000، التي انتصرت فيه المقاومة اللبنانيّة بقيادة السيد حسن نصر الله – الأمين العام لحزب الله، على العدو الصهيونيّ وأجبرته على الرحيل المخزي بلا قيد أو شرط من جنوب لبنان.

والثانية هي: تقييم انتفاضة القدس ومواجهات غزة، بين النتائج والتداعيات على الجانب الصهيوني، ووعدت باستكمال ذلك على الجانب الفلسطيني، وهو هدف هذا المقال.

فقد خلصت الآثار والتداعيات على الجانب الصهيونيّ، إلى انتهاء أسطورة القبضة الحديديّة، وإشاعة حالة الذعر داخل تل أبيب والمدن الفلسطينية المحتلة كلها وعاش المحتلون الصهاينة حالة الرعب للمرة الأولى وفي الخنادق، واضطرار السلطة الصهيونيّة لانتهاج سياسة التعتيم لرفع الروح المعنوية لدى الصهاينة خشية انهيارهم حال إعلان الحقيقة وهو انتهاج للمهزومين، وفقدان ثقة مستوطني الكيان في حكومتهم وإعلامهم، وبدء التفكير في الخروج والعودة وترك الدولة المزعومة (الهجرة العكسيّة)، فضلاً عن الآثار الاقتصادية الضخمة وصلت إلى نحو (5) مليار دولار، وضرب خط بترول (إيلات/ عسقلان) وفضح الكيان بإثبات وجوده بعد ضربه، وثبوت فشل أجهزة الاستخبارات الصهيونية في معرفة صواريخ المقاومة وتطورها ومناطق إطلاقها خلالـ (11) يوماً مقاومة، وأخيراً وليس آخراً، فشل النتن – ياهو في التسويق لنفسه للاستمرار في الحكومة والإفلات من المحاكمة والسجن. فضلاً عن ذلك فإنه يمكن القول بأن الكيان الصهيوني وجيشه، قد سقطت هيبتهما. فلم يعُد الكيان الصهيوني آمناً مستقراً، كما لم يعد الجيش الصهيوني هو الأسطورة التي لا تقهر. ولم يستطع هذا الجيش الاقتحام البري لغزة خشية التكلفة الباهظة، التي لا يستطيع الكيان والجيش أن يدفعها. وثبت أيضاً أن الطيران الذي يتفوّق فيه الكيان، لم يستطع أن يحسم معركة غزة، ولم يستطع أن يمنع المقاومة الفلسطينية من الاستمرار في إطلاق الصواريخ التي وصلت إلى (4200) صاروخ من دون توقف!! كما أُجبر الصهاينة على الحظر الإجباري للطيران من الكيان وإليه. إضافة إلى ذلك حدوث أزمة بين «النتن – ياهو»، والرئيس الأميركي (بايدن) الذي طالبه وقف إطلاق النار، ولم يستجب «النتن»، واضطر إلى الرضوخ في النهاية بعد ضغوط أميركية عبر حلفائها وتابعيها في الإقليم! والأكثر تداعياً حاضراً ومستقبلاً، هو التهديد الذي وصلت رسالته بعد أن طالت يد المقاومة عبر صواريخها، إلى كل اليهود الراغبين في الهجرة إلى الكيان، وهي التخويف من ذلك، والأرجح هو تراجع الهجرة اليهودية إلى الكيان واهتزاز فكرة تجميع اليهود في دولة واحدة!

تلك هي آثار وتداعيات «انتفاضة القدس» على الكيان الصهيوني الذي بدأ في التفتت والانهزامية، فماذا عن الآثار والتداعيات لهذه الانتفاضة على الجانب الفلسطيني؟ يمكن بلورة ذلك في ما يلي:

1 ـ انتصار الفلسطينيين، وإلحاق الهزيمة بالرواية الصهيونية، بأنّ الفلسطينيين باعوا أرضهم وقبضوا الثمن، وذلك حينما تمسك الفلسطينيون بمساكنهم في «حي الشيخ جراح»، وعدم قبول تهجيرهم القسري أو قبول تعويضهم لإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم. وبالتالي انتصرت الرواية الفلسطينية، وهزيمة الرواية الصهيونية التي يتمّ ترديدها عبر الإعلام الصهيوني العالمي المعادي.

2 ـ صمود المقدسيين، في مواجهة التعسف الصهيوني بمحاولة إغلاق المسجد الأقصى في وجه المصلين قبل وأثناء شهر رمضان، في الوقت نفسه السماح للمستوطنين باقتحام القدس، فما كان من الفلسطينيين إلا التظاهر والتجمع والإصرار على ممارسة شعائرهم الدينية، حتى تجاوز عدد المصلين الفلسطينيين أكثر من (120) ألف مصلٍّ، وتعرّض المئات للإصابات بلا حدود، الأمر الذي أدى إلى اندلاع انتفاضة القدس، وبدعم من الآباء المطارنة والأشقاء المسيحيين.

3 ـ توحيد المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني كله في مواجهة العسف والظلم والقهر للكيان المحتل. فلم تقبل غزة وأهلها الصمت على ما يحدث للأشقاء في القدس، وبادرت المقاومة بالتهديد الذي لم يؤخذ على نحو الجدية من جانب الصهاينة، فتفاجأوا بأنّ كلمات قادة المقاومة (أبو عبيدة وغيره) صادقة، وتمّ البدء بضرب تل أبيب (عاصمة الكيان) في الساعة المحدّدة والمعلنة من جانب المقاومة. ولم يكتف بذلك، بل سارع الفلسطينيون تحت الاحتلال (فلسطينيو 48)، الذين اندلعت مظاهراتهم التي وصلت إلى حدّ الإضراب الشامل عن العمل، كما أنّ الفلسطينيين في الضفة تحركوا في مظاهرات ضدّ الكيان الصهيوني دعماً للمقاومة، لتشتعل أرض فلسطين المحتلة بشكل كامل، ومعبّرة عن وحدة الصف الفلسطيني وبتلقائية وبدون ترتيب الأمر الذي يكشف عن جيل جديد من الفلسطينيين، دخل على خط المقاومة ويتعهّد بتحمّل المسؤولية حاضراً ومستقبلاً، ومتجاوزاً انقسامات سابقة لا مبرّر لاستمرارها بعد.

4 ـ ثبوت تطور القدرات الهجوميّة الصاروخية للمقاومة، تجاوزت مجرد الحدود المحيطة بغزة، إلى كلّ مدن الكيان الصهيوني ابتداءً من تل أبيب، وحيفا واللد وعسقلان إلخ… فضلاً عن القدرات العسكرية التي وصلت إلى ضرب بارجة صهيونية في البحر المتوسط. وقد كان لهذه القدرات علامات جديدة، حيث لم تعد دفاعية بل هجومية، وقادرة على إنهاء أسطورة القبضة الذهبية، التي تغيّرت إلى «الحديدية»، ثم وصلت إلى «الخشبية»!! وقد أثبتت القدرة الصاروخية للمقاومة، حيث أطلقت بما يتجاوز (4200) صاروخ يصل مداه إلى (250) كم، وهو كان بمثابة مفاجأة صاعقة للكيان الصهيوني، أنها قادرة على تجاوز القبة الحديديّة واختراقها بنسبة 75% حيث أعلن وزير الحرب الصهيوني، أنّ القبة لم تستطع أن تتصدّى إلا إلى 25% من عدد الصواريخ التي أطلقتها المقاومة! وهو أمر قلب كلّ الموازين.

5 ـ إجبار العدو الصهيوني على إعلانه عن وقف إطلاق النار من جانب واحد، في الوقت ذاته الذي رفضت المقاومة ذلك من جانبها إلا بعد إعلان الحكومة الصهيونية، ومعه الالتزام بمتطلبات الشعب الفلسطيني. وهو الأمر الذي تمّ بالفعل، مما يكشف عن تصاعد القدرة التفاوضية للمقاومة توازياً ونتاجاً لتصاعد القدرة العسكرية، وهو المقدّمة الحقيقية لتحرير فلسطين وفرض إرادة الشعب الفلسطيني.

6 ـ إجبار العدو الصهيوني على عدم المبادرة بإعلان نجاحه وانتصاره على المقاومة، بل على العكس أعلنت المقاومة انتصارها في كلّ أنحاء فلسطين واحتفل عرب فلسطين تحت الاحتلال. الأمر الذي يؤكد على انتصار المقاومة بكلّ فصائلها المتوحّدة، وكلّ طوائف الشعب الفلسطيني، في هذه الجولة التي استمرت في مواجهة عسكرية (11) يوماً بين (10 – 21) مايو 2021، وهو عيدُ النصر الفلسطيني على الكيان الصهيوني.

7 ـ استعادة وضع القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام العالمي، بعد محاولات مستميتة من الكيان الصهيوني وأتباعه من نظم عربية عميلة، لإزاحة القضية وشعبها من المشهد، بل ونشر التطبيع لتصفية القضية. وهو الأمر الذي ثبت فشله، وسقطت معه كلّ اتفاقات كامب ديفيد، ووادي عربة وأوسلو، وأخواتها، وكلّ اتفاقات التطبيع التي تعدّ عاراً وخيانة للقضية الفلسطينية. حتى أنّ بايدن نفسه رئيس أميركا، اضطر إلى الاهتمام بالقضية.

8 ـ تجميد الأوضاع في القدس وحي الشيخ جراح، وإجبار الكيان الصهيوني على ذلك.

وختاماً… فإنّ الآثار والتداعيات لهذه الجولة ولانتفاضة القدس، على الجانب الفلسطيني عديدة، ولكن يمكن القول إنّ هذه الجولة والمواجهة، ولدت الأمل في تحرير فلسطين وبيت المقدس وتلك هي البداية، صمود وتحدٍّ وجرأة على المواجهة وتحقيق النصر، وغداً سنرى…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى