الوطن

هل يتجزأ لبنان إلى كانتونات؟

} د.وفيق إبراهيم

حجم الانسداد السياسي الضخم الذي يعطل في لبنان آليات إعادة بناء سلطاته السياسية وعلى رأسها حكومته، هو من ضمن المؤشرات التي توحي بتغييرات كبرى على مستوى وحدة سلطاته ومؤسساته الحاكمة.

فهل من الطبيعي أن تنهار الوظائف الكبرى للدولة ويبقى رئيس حكومة مدة سنة كاملة محاولاً إعادة تشكيل حكومة لرأب الصدع البنيويّ، ولدينا رئيس جمهورية لا يصل نفوذه الى أكثر من ساحات قصره الجمهوري ورئيس حكومة مكلف يمتلك فقط القدرة على الانتقال بين عشرين دولة من دون أية فائدة مرجوّة سوى التصريحات والبيانات.

هذا الى جانب رئيس مجلس نيابي هو أصلاً من دون صلاحيات دستورية تنفيذية هامة. لكن لهذا الانقسام الذي يطاول ايضاً الدروز الموالين بشكل شبه كامل للزعامة الجنبلاطية، مخاطر تزيد عن توفير الخدمات العامة إلى تراجع كبير في العلاقة بين الرؤساء الثلاثة، هذا التراجع الذي ابتدأ بالانعكاس على العلاقة بين السلطة فيهدّدها تراجعاً في علاقتها فيما بينها، وتأدية الخدمات للناس.

لبنان اذاً مهدّد بالتراجع من الكيان السياسي اللبناني الكبير القائم منذ 1920 الى كانتونات مذهبيّة تترابط بالتسمية الخارجية فقط وتتفرّق في تأمين المصالح.

على المستوى المسيحي ينبثق صراع بنيويّ ضخم بين ثلاثة تيارات… فريق الرئيس ميشال عون في التيار الوطني الحر وسمير جعجع في حزب القوات اللبنانية وسامي الجميل في حزب الكتائب، وهي تيارات متنافرة ومتخاصمة تحاول أذرعها السيطرة على الشارع المسيحي بضغط من الأميركيين اساساً ومعهم قوى فرنسية وسعودية.

لكن هذا التأييد الخارجي يشرذم الساحة المسيحية ملتهماً القسم الأكبر من طاقتها التاريخية مع اهمية البطريركية المارونية.

اما الشيعة فيقفون تحت نفوذ الثنائي أمل – حزب الله بشكل يسيطر فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري على حصة الشيعة في الدولة مقابل تأييده الدور الإقليمي والداخلي الكبير لحزب الله، لذلك لا يجد بري منافسين حقيقيين له ضمن طائفته، بل لدى الطوائف الأخرى التي تعجز عن انتزاع أي من حصة الشيعة المتمركزة في قصر عين التينة والمجلس النيابي.

ماذا عن الدروز؟ لعلهم الجزء الوحيد الذي بنى إطاراً يمنع عنه أثر الخارج السياسي عليه، وهي مهمة تولاها زعيمهم وليد جنبلاط الذي سارع فور ارتفاع حدة الأزمة الى إقفال مناطق عاليه والشوف والسواحل ضمن دائرة اجتماعية وسياسية وأمنية واحدة تحول دون أية انعكاسات للازمة اللبنانية على الدروز إلا في ما ندر من التداعيات.

يتبقى السنة الذين يفترض بواحد منهم تشكيل الحكومة، وهذا يمنحهم أهمية في سيطرتهم على المدن الساحلية من طرابلس إلى صيدا مروراً بالعاصمة بيروت.

لكن عجزهم عن هذا التشكيل لأكثر من عام وصعود الطوائف الأخرى التي انتقلت لتتفاعل في هذه المدن الساحلية كحال السنة مع تشكيلهم لارتباطات سنية تاريخية كالسنة تماماً أدى الى تراجع الدور السني، اكثر من ذي قبل وأكبر من أي طائفة اخرى. لعل التراجع في السياسة السعودية الإقليمية له علاقة بتراجع دور الطائفة السنية في لبنان هذا الى جانب ازدياد علاقة الطوائف الأخرى بالاقليم من إيران الى الخليج والعراق وسورية ولبنان بالطبع.

هذا استدعى نشوء انسداد كامل في العلاقات بين بنى السلطة السياسية من رئاسات الجمهورية والمجلس النيابي ومجلس الوزراء.

 هذه الانقسامات تعزّز استناداً الى العلوم السياسية فكرة وصول التحالفات السياسية الطائفية الى حائط مسدود قابل للانفجار الى مجموعة من الحيطان المذهبية المتساندة لحاجتها الاقتصادية الى بعضها بعضاً، لكن وجود الأحزاب الوطنية ومعها حزب الله هو من العوامل الحائلة لتفجير للكيان السياسي اللبناني التاريخي، فتحطيم الكيان يعني تقلص حركة حزب الله ضمن الضاحية وبعض مناطق الجنوب. وهذا ما لا يقبله الحزب على الإطلاق وقد يستعد لقتال أية حكومة تنحو هذا النهج الخطير.

كما أن الأحزاب الوطنية التي لا تزال ضعيفة الحركة وخافتة الصوت مستعدة بدورها للنزول الفعلي الى الشارع لمنع هذه الاتجاهات التفتيتيّة.

لذلك فالصراع الآن بين الأحزاب الكبرى للطوائف التقليدية التي تتجهّز لأية تقسيمات مفروضة من الخارج وبين حزب الله والأحزاب الوطنية التي تفعل المستحيل كي يبقى لبنان كياناً واحداً سياسياً يجمع اللبنانيين من أعالي الشمال الى أقصى جنوبه بالسلم أو بالحرب، لكن هذا المصير ينتظر بدوره الاتفاقات الدوليّة التي لا تزال في بداياتها وما على اللبنانيين إلا الانتظار والترقب الشعبي لمجابهة المخاطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى