مقالات وآراء

مشروع برّي الحكوميّ هو الأخير قبل انفجار لبنان

} د.وفيق إبراهيم

رئيس المجلس النيابي نبيه بري هو المسؤول الدستوري الأخير والوحيد الذي يستطيع إطلاق مشروع فعلي لتشكيل حكومة تسويات تجمع ولا تفرّق وتبعث حياة في أجساد ذاهبة الى الموت السياسي الحتمي.

فالرجل عليم بالأمور ذاتها ويتقن فنون الجمع السياسي على قاعدة أن لبنان يحتاج الى تسويات بين ثلاثة من كبار أجنحته الوطنية الإقليمية وهي السنة والموارنة والشيعة، إنما بمشاركة تحالفية مع دروز جنبلاط والكاثوليك والبروتستانت بمستويات أكثر انخفاضاً في الأهميات الداخلية والخارجية.

من هنا تبرز الأدوار الأساسية للرئيس بري الذي يبرر عادة في مرحلة الاختناق والتراجعات دافعاً بمشاريع ذات أبعاد وطنية، من شأنها إطلاق ترميمات تضخّ أوكسجيناً قد يكون مؤقتاً وغير عميق، لكنه أكثر من كاف لإعادة نصب أدوار مؤسسات دستورية هابطة وتكاد تهوي، وبالتالي تسقط الصيغة السياسية الوطنية والدليل أن لا أحد يُصدّق أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يعمل للوصول الى رئاسة الجمهورية قبل استنفاد ولاية عمّه الرئاسية بخمس سنوات. فهذا هو الشق السياسي المستحيل المثير للصراعات بين القوى السياسية اللبنانية من دون إتاحة أية فرصة للرئيس عون لبناء ولاية رئاسية ناجحة أو يرابط على مشارفها.

هذا ما يثير الخلافات مع التيارات المارونية واللبنانية الأخرى وقبل أوانها بوقت طويل مؤسساً لاضطرابات بين كامل القوى السياسية اللبنانية التي لها مصالحها في التحالفات مع رؤساء البلاد.

كان هذا الوصف ضرورياً لمناقشة مبادرة بري الأخيرة في البحث عن حكومة إنقاذية ضرورية لمنع السقوط اللبناني الأخير.

اولاً الرئيس بري أطلق مبادرته بعد استنفاد الكتل النيابية الأخرى كامل محاولاتها لإقرار تسويات حكومية شديدة التناقض.

وحاول فيها الفصل بين الانتخابات المقبلة لرئاسة الجمهورية والإدارة الحكومية للبلاد.

وهذا مضرّ بجبران باسيل، لكنه يخدم وحدة البلد بشكل أكيد.

كما أنه اعتدل في طرح تشكيلته فلم يضعها في خدمة حركة أمل أو حليفه حزب الله ساعياً الى ترويضها في اطار خدمة كبرى لإعادة سلطات دستورية مقبولة تسترجع الحدود الدنيا من عمليات الإنقاذ الدستورية والسياسية وبالتالي الاجتماعية.

اما مميزاتها الاساسية فاحتواؤها كامل القوى السياسية الطوائفية باعتدال، فلم تتخلّ فيها عن باسيل ولم يهرب من سمير جعجع مبقياً مكاناً لسعد الحريري في اطار حكومي يحفظ له زعامته السنية في منطقة شرق أوسطيّة تغلي بصراعات المذاهب.

كما تمسّك بصديقه وليد جنبلاط إنما من دون التفريط بحصة موازية لحجم طلال ارسلان، كذلك فعل مع الارمن والكاثوليك والبروتستانت، مظهراً بذلك الحجم الكبير الذي يمسك به على مستوى طائفته الشيعية وحجمه الوطني الكبير، والرضى الإقليمي والدولي عنه وبذلك أثبت مرة جديدة انه زعيم وطني تهمه مصلحة بلاده أولاً في إطار المصالحة الوطنية الداخلية وعلاقاتها الإقليمية الحسنة مع السعودية وإيران وسورية، فاتحاً اكثر من طاقة على روسيا وفرنسا وأميركا.

هذه المواصفات هي التي تؤجج التمايزات السياسية الكامنة التي ترفض هذه الأدوار الداخلية والاقليمية للرئيس نبيه بري.

ماذا عن المميزات الأخرى لتشكيلة بري المنتظر الإجابات عليها بفارغ من صبر تاريخي اعتاد عليه دائماً.

لذلك لم يستبعد أحداً مبقياً على التيار الباسيلي العوني وحزب قوات جعجع وبعض المستقلين المتراوحين بين الكتائب والبطريرك الراعي.

واحتفظ بالدور السنيّ الهام للحريري مع استمزاج رأيه مسبقاً ببعض القيادات السنية التي يقبل بها، والتي قد ترضيه إلا بإصرار من برّي على علاقات حليفه حزب الله بقسم منهم على منوال فيصل كرامي وطلال أرسلان وآخرين.

وكان من الطبيعي أن يعتبر أبو مصطفى أن الشيعيّة السياسيّة هي شبكة تحالف بين حركته أمل وحزب الله بشكل لا مكان لآخرين فيها من خارج هذا النموذج التاريخيّ. وهو على ذلك بحق.

فهل تنجح مبادرة بري؟ الميزة الأساسية انها من اقوى المبادرات وتعكس ذكاء مفرطاً لبري الذي ترقب حتى أدركت انهيار كامل المبادرات السابقة على طرحه، فالحريري متعثر ومنشغل برحلات استجمام من أدنى الأرض الى أقصاها، وجبران باسيل يستعمل الضجيج والعجيج من دون أية نتيجة تذكر.

هذا بالاضافة الى أن جعجع غير مقبول ان يكون صاحب أي طرح حكومي وذلك لسقوط الثقة التاريخية به، وحتى الحالية. فالرجل مأخوذ بالرعاية الخارجية الغربية وصولاً الى علاقاته القديمة بمحاور الصراع في الإقليم وهذه ملاحظات غير قابلة للنسيان.

اما وليد جنبلاط فهو حليف عميق لأبي مصطفى بشكل ينسقان فيه بسريّة غير كاملة لمواقفهما السياسية والحكومية.

لذلك فإن المستائين من مبادرة بري هما فريق باسيل ومنافسه جعجع لأنهما يريدان توليفات تؤمن لكل منهما إما رئاسة الجمهورية المقبلة لجبران باسيل او وضعية حكومية مميزة لجعجع الذي يرفض بالطبع أية موافقة على ترئيس جبران نظراً للصراعات الحادة بينهما للسيطرة على الساحة المسيحية.

فهل تنجح مبادرة بري؟ النظرة الخاطفة والمبدئية تؤكد نجاحها وتجزم أن أفرقاء الداخل متعلقون بها، لكن الصراعات الإقليمية على مستوى إيران والسعودية وسورية وأخيراً مصر والقتال الدولي الروسي الأميركي الفرنسي يفرض عليها نوعاً من الكبح حتى توصل أفرقاء الصراع لتسويات شرق اوسطية ليست موجودة وقد يطول أمدها كثيراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى