أولى

«زوال لبنان» لا يمكن تفاديه بتأليف حكومة جديدة ولا بمنع استيراد البنزين من إيران…

 د. عصام نعمان*

بعد اجتماعهما الأخير في باريس، حذّر كلٌ من وزيري خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن وفرنسا جان ايف لودريان من «زوال لبنان». أعلنا عن تعاونهما لحلّ أزمة لبنان بالضغط على الطبقة السياسية التي تعطّل تشكيل «حكومة إصلاحية». اتفقا على البحث عن «قيادة لبنانية حقيقية» (…) ونحن نعمل من أجل ذلك». كيف؟

بلينكن ولودريان لم يكشفا تفاصيل مبادرتهما. لكن لودريان أعلن بصراحة: «اتخذنا قراراً بالعمل معاً للضغط على المسؤولين عن التعطيل، ونحن نعرف مَن هم». لعله بذلك يلمّح الى العقوبات الأوروبية المزمع فرضها على المسؤولين اللبنانيين الذين يعطلون، في رأيه، تشكيل الحكومة الإصلاحية المطلوبة.

الكلّ يرى الحلّ في تأليف حكومة جديدة:

زعماء الأحزاب السياسية والتكتلات البرلمانية الذين يتهمون بعضهم بعضاً بأنهم وراء تعقيد الأزمة يتفقون في الدعوة الى تشكيل حكومة جديدة.

رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر يتساءل: «ماذا تنتظرون حتى تؤلفوا الحكومة؟ الانهيار الكبير بدأت ملامحه: الفوضى الاجتماعية، الفوضى الأمنية، الفلتان والثورة. بادروا قبل فوات الأوان».

تجمّع الهيئات الثقافية في لبنان دعا في اجتماعٍ وبيان الى «قيام حكومة تتمتع بصلاحيات استثنائية ويتمتع أعضاؤها بالكفاءة والحزم ونظافة الكفّ».

مَن المسؤول عن تعطيل تشكيل حكومة إصلاحية؟

رالف طراف، سفير الاتحاد الأوروبي في بيروت، قال لصحيفة «النهار»: «أعتقد انه النظام في حدّ ذاته. إنه نظام معقد جداً لجهة التوازنات، وكثرة اللاعبين، ولكن ثمّة ايضاً مسؤولية شخصية لأنّ عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يقومون بعملية التفاوض، وهم في موقع المسؤولية، غير متوافقين في ما بينهم من أجل الوصول الى حلّ (…) هناك تباينات حادّة حيال الأولويات الطارئة ومقاربتها من الداخل».

ما هي الأولويات الطارئة والأكثر إلحاحاً؟

إنها كثيرة أبرزها الغذاء (لا سيما الخبز) والدواء والكهرباء والوقود (البنزين والمازوت والغاز) والمستلزمات الطبية. الأهمّ من هذه جميعاً ضرورة بقاء الدعم الحكومي لشراء كلّ هذه المواد والضروريات بسعر متدنّ بعد هبوط قيمة صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي.

الى ذلك كله، ثمّة مشكلة سياسية تتداخل مع كلّ المشاكل والتباينات سالفة الذكر هي الدولة التي يتوجب أن تتعاطى معها الحكومة العتيدة دون غيرها لشراء او توفير المواد والمستلزمات ذات الأولوية في هذه الآونة، خصوصاً ما يتعلّق منها بالمعيشة والصحة والوقود.

لعلّ أبرز الأمثلة دلالة في هذا السياق الجدل المحتدم حول استيراد البنزين في وقتٍ يشحّ الدولار لدى الحكومة والمصرف المركزيّ ما يولّد صعوبة في الحصول عليه (البنزين) من دول الغرب او الدول المنتجة للنفط في الخليج. قائد حزب الله السيد حسن نصر الله المعادي للولايات المتحدة و«إسرائيل» دعا الى استيراد البنزين من إيران التي أبدت  استعداداً لقبول الثمن بالليرة اللبنانية. أصدقاء اميركا وحلفاؤها في الداخل عارضوا ذلك بدعوى ان ثمة عقوباتٍ اميركية على إيران الأمر الذي يعرّض لبنان الى مفاعيل هذه العقوبات، فضلاً عن أنّ استيراد البنزين من إيران يساعدها على تنفيذ ما يعتبره خصومها «مخططات مشبوهة» (؟) تسيء الى سيادة البلاد.

السيد نصرالله ردّ بأن دعا أصدقاء أميركا والغرب الى السعي لدى دول الخليج لقبول بيع كميات من البنزين الى لبنان بالليرة اللبنانية، أو بتقديم جزء منها كهبة.

بصرف النظر عن مدى جدّية المطالب والحجج التي تدلي بها الأطراف المتصارعة، فإنّ ثمّة اسئلة جديرة بأن تُطرح على القائلين بأنّ تأليف حكومة جديدة هو الحلّ الكفيل بتخليص لبنان من أزمته المستعصية:

هل أركان نظام المحاصصة الطوائفية المتناحرون يسمحون بتشكيل «حكومة إصلاحية»، كما يدعو الى ذلك وزيرا خارجية أميركا وفرنسا؟ واذا لم يسمحوا، كيف تُؤلف؟

لنفترض جدلاً أنهم وافقوا على تشكيلها وعلى أعضائها، هل تراهم يتفقون على الإصلاحات التي يقتضي ان تقوم بها؟

هل يُعقل ان يوافق أركان نظام المحاصصة الطوائفية على إعطاء الحكومة سلطات استثنائيّة لتنفيذ إصلاحات تقوّض الامتيازات والمصالح التي يخصّهم بها النظام؟

هل يقتضي أن تقوم الحكومة الجديدة بتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها قبل حلول موعد الانتخابات النيابية في شهر ايار/ مايو 2022؟

إذا لم تتمكّن الحكومة الجديدة من تنفيذ الإصلاحات المرتجاة قبل الانتخابات، هل يُصار إلى التمديد لمجلس النواب او يُصار الى إجراء الانتخابات وفق أحكام قانون الانتخاب الحالي؟

   أرى، وغيري كثيرون، أن لا سبيل الى تشكيل حكومة إصلاحية حقاً في ظلّ نظام المحاصصة الطوائفية، وأن لا سبيل أيضاً الى نجاحها في تنفيذ ما تتعهّد به من إصلاحات. في هذه الحال، ماذا يمكن أن يحدث؟

  السؤال يعني قوى التغيير كما يعني أهل النظام بشتى  تلاوينهم وفئاتهم.

قوى التغيير الحقيقيّ ستجد نفسها مدعوّة الى توحيد أطرافها وصفوفها في جبهة وطنية متماسكة وفاعلة وذات نَفَس طويل، تناضل لتحقيق التغيير والإصلاح وفق شروطها ــ وأهمّها قانون ديمقراطي للانتخاب يكفل صحة التمثيل الشعبي وعدالته، حتى لو اقتضى الأمر اعتماده في استفتاء شعبيّ عام في حال امتناع مجلس النواب عن إقراره.

     أهل النظام سيحاولون إطالة أعمارهم السياسية باللجوء الى المزيد من الشيء نفسه: مخارج وتسويات سياسية تحاصصية تخدمهم لأشهر أو سنوات معدودة. ولأنهم يعرفون انّ «زوال لبنان»، «لبنانهم» تحديداً، لا يمكن تفاديه بتأليف حكومة جديدة من طينتهم، فإنهم قد يلجأون الى تقديم بعض التنازلات المتبادلة في ما بينهم بغية تجاوز المحظورات والقبول تالياً بتشريع بعضها. ألم يتجاوزوا قبل سنوات حظر حشيشة الكيف بتشريع زراعتها بدعوى تسهيل استخدامها في صناعة بعض الأدوية والتفاخر بأنّ ذلك يُدرّ على خزينة الدولة مئات ملايين الدولارات؟

      لماذا، إذاً، لا يتوافقون على تجاوز «قانون» حظر التعامل مع إيران وذلك بشراء البنزين والمازوت والغاز منها بالليرة اللبنانية ما يوفّر على الخزينة مئات ملايين الدولارات؟

    إنّها أحكام الضرورة، ضرورة المحافظة على النظام والاستقرار، أليس كذلك؟

*وزير ونائب سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى