الوطن

بعد تاريخ نضالي حافل بالمواجهة والتصدّي… رحيل القيادي الفلسطيني أحمد جبريل والتشييع غداً في دمشق

} إنعام خرّوبي

في أحد مشافي العاصمة السورية دمشق، التي انتقل إليها صبياً في العاشرة من عمره بعد اغتصاب موطنه عام 1948، أسلم المناضل الفلسطيني الروح التي سكنتها سيدة الأرض فلسطين، أم البدايات والنهايات، فعليها ما يستحق الحياة والموت أيضاً متى كان الموت طريقاً إليها.

بالأمس، رحل «أبو جهاد» القيادي الفلسطيني الثائر الذي لم توهن قساوة السنوات الـ 83 صلابة عزيمته ولم تحبطه الهزائم العربية، على كثرتها، وقد أثلج صدره قبل الرحيل النصر المدوّي للمقاومة الفلسطينية في عملية «سيف القدس» التي غيّرت قواعد الصراع ورسّخت معادلة جديدة حطّمت عنجهية الاحتلال، كما كان شاهداً بل شريكاً في نصر سورية التي يحمل جنسيتها ولم يبارحها رغم ضراوة العدوان المستمرّ عليها منذ عشر سنوات.

نعي «القيادة العامة»

ونعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) أمينها العام الدكتور أحمد جبريل، وقالت في بيان لها أمس: «ننعي إلى أمتنا العربية والإسلامية وإلى أحرار العالم وجماهير شعبنا البطل في فلسطين المجاهد الأمين العام أحمد جبريل (أبو جهاد)، الذي أفنى عمره في خدمة فلسطين والجبهة وبقى على عهده وقسمه».

نبذة عن الراحل

يُعدّ أحمد جبريل من القيادات الفلسطينية البارزة والمؤثرة وله تاريخ حافل في مواجهة العدو الصهيوني. وهو أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة ومؤسسها عام 1968.

ولد في قرية يازور قضاء مدينة يافا المحتلة عام 1938، وهو متزوج وله أربعة أولاد وأربع بنات.

درس المرحلة الثانوية في دمشق، وحصل على الثانوية العامة عام          1956، ثم انتقل إلى القاهرة والتحق بالكلية الحربية وتخرّج منها عام 1959.

أسّس جبهة التحرير الفلسطينية عام 1959 متأثراً بجبهة التحرير الجزائرية، واتحدت جبهته مع حركة فتح عام 1965، ثمَّ ما لبثت أن افترقت عنها.

شارك في تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش عام 1967، وعُيِّن قائداً لجناحها العسكري، ثم انشق عنها ليؤسّس القيادة العامة.

انتقل إلى لبنان، وشهد الحرب الأهلية فيها عام 1975، وانخرط في مقاومة اجتياح جيش الاحتلال للبنان عامي 1978 و1982.

نفّذت جبهته العديد من العمليات العسكرية ضدّ أهداف صهيونية، وأشرف

على إعداد وتنفيذ صفقتين لتبادل الأسرى بين جبهته والاحتلال وهما عمليتا «النورس» عام 1979، حيث أطلق بموجبها سراح 76 أسيراً فلسطينياً مقابل إطلاق سراح جندي في جيش الاحتلال، و»الجليل» عام 1985، والتي أطلق بموجبها 1150 أسيراً فدائياً (فلسطينياً وعربياً وأجنبياً) من بينهم الشيخ أحمد ياسين، والمقاتل الياباني كوزو أوكاموتو، مقابل ثلاثة جنود من جيش الاحتلال.

عرف بتحالفه الاستراتيجي مع سورية وإيران، وكان جزءاً من أغلب التحالفات الفلسطينية التي استهدفت معارضة نهج التسوية والمفاوضات، وعرف بصراعه مع قيادة منظمة التحرير، وقد ناهض اتفاقية أوسلو لأبعد الحدود، وبقيت الجبهة تراهن أولاً وأخيراً على عنوان الكفاح المسلح رغم ما تعرّضت له من تضييق وملاحقة في كلّ دول العالم، ولم يثنه عن موقفه اغتيال نجله جهاد في بيروت في العام 2002 بأصابع موسادية واضحة.

غادر جبريل لبنان إلى سورية عام 1993، وانتقل إلى إيران عام 1996، ثم عاد إلى سورية عام 2002، وشارك في لقاءات المصالحة الفلسطينية، ووقع على وثيقة المصالحة الوطنية المنبثقة عن اجتماع القاهرة عام 2011.

تعتبره «إسرائيل» من ألدّ أعدائها، وقد حاولت اختطافه واغتياله مرات عدة.

وقد أصدرت أحزاب وشخصيات لبنانية وفلسطينية وعربية بيانات تعزية بالراحل.

حزب الله

وقال حزب الله في بيان: «لقد كانت فلسطين وقضيتها كلّ حياته حيث قضى عمره متنقلاً بين ساحات المعارك وميادين القتال، مؤمناً بالكفاح المتواصل طريقاً وحيدا للتحرير، ثابتا على الحق لا يحيد عنه ولا يزول، مؤمناً بوحدة المقاومين والمجاهدين في مختلف الجبهات، متصفاً بعزيمةٍ صلبة وروحيةٍ عالية وشجاعةً بطولية، وصفات رفيعة جعلته في المكان اللائق به في تاريخ فلسطين والمنطقة».

واعتبر الحزب أنّ «الشعب الفلسطيني فقد قامة عاليةً من قامات الشرف والفداء، وعزاؤنا أنّ أمتنا وشعبنا الفلسطيني على خطاه في طريق التحرير والمقاومة والانتصار».

الجبهة الشعبية

ونعت الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، «بمكتبها السياسي ولجنتها المركزيّة وعموم رفاقها»، في بيان، «القائد الفلسطيني الكبير أحمد جبريل الذي جمعتنا وإيّاه تجربة التأسيس للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين، وتجربة نضالٍ طويلة حكمتها المواقف المبدئيّة المشتركة من العدو الصهيوني ككيانٍ استعماري مغتصبٍ لفلسطين، وعلى أنّ النضال الوطني الفلسطيني هدفه هزيمة هذا الكيان وتحرير كامل فلسطين وعدم المساومة على أي جزء منها.

لن ينسى شعبنا للقائد الشهيد أبو جهاد دوره الريادي في تأسيس وإطلاق الثورة الفلسطينيّة المعاصرة ودوره البارز في تأسيس منظمة التحرير الفلسطينيّة، وفي تأسيس وتطوير العمل العسكري الفلسطيني المستند إلى علمٍ وخبرةٍ تجلّت في العديد من العمليات العسكريّة النوعيّة ضد الكيان الصهيوني، وفي المواجهات التي خاضتها الثورة الفلسطينيّة ضد مخططات تصفيتها ودفاعاً عن وجودها، وقدّم ابنه الأكبر جهاد على هذا الطريق.

إنّ رحيل القائد أحمد جبريل يُشكّل خسارةً لشعبنا ولحركته الوطنيّة ولعموم المناضلين والمقاومين في منطقتنا ولمحور المقاومة الذي حرص الراحل على تأصيله وتعميمه كخيارٍ نقيض لمحور التبعيّة والاستسلام والتطبيع في المنطقة، ومن أجل مراكمة وتوحيد طاقات شعوب أمتنا وقواها في النضال ضدّ الكيان الصهيوني وداعميه من قوى استعماريّة ورجعيّة.

إنّ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي تتوجّه بخالص عزائها من الرفاق في الجبهة الشعبيّة – القيادة العامة وعائلة الراحل الكبير، فإنّها على ثقة بأنّ مبادئ وتراث أبو جهاد سيبقى حاضراً لديهم ولدى شعبنا على الدوام».

أنصار الله

وقال المكتب السياسي لحركة أنصار الله في اليمن، في بيان: «نتقدم بأحر التعازي ومشاعر المواساة للشعب الفلسطيني وللجبهة الشعبية ولكل حركات المقاومة ولأسرة الفقيد المناضل أحمد جبريل».

وأضاف: «لا ننسى للراحل أبو جهاد جبريل مواقفه السياسية المشرفة مع الشعب اليمني في مواجهة تحالف العدوان الأميركي السعودي الذي وصفه بالمؤامرة العالمية».

ولفت المكتب السياسي للحركة إلى أنه «كان للفقيد الراحل مواقف مساندة لقضايا الأمة الكبرى في مواجهة المشروع الإمبريالي الأميركي بما في ذلك اليمن»، مؤكداً أنّ «أبو جهاد جبريل كان في طليعة الرافضين للتطبيع والاعتراف بكيان العدو، إضافة إلى مواجهته بالسلاح والموقف».

ومن المقرّر أن تجري مراسم دفن القيادي الراحل «أبو جهاد» يوم غد الجمعة في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك في دمشق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى