مرويات قومية

النحات الرفيق يوسف سعدالله الحويك

قليلون هم المواطنون والسوريون القوميون الاجتماعيون الذين يعلمون أن الفنان الكبير يوسف الحويك هو رفيق سوري القومي اجتماعي، أنه انتمى إلى الحزب في فترة العمل السري أوائل العام 1935 وإنه أنجز نحت التمثال الرأسي لسعاده. يفيد الأمين جبران جريج في الجزء الأول من مجلده «من الجعبة»: « أن النحات يوسف الحويك تعرف إلى سعاده» بعد أن كان تخرج من أعظم مدارس النحت في إيطاليا. وكان له فكر ثاقب في الأمور العامة وكيفية علاجها. ولذلك لم يطل تعارفهما حتى أصبحا صديقين، ثم عند اكتشافه أن صديقه يقود حركة قومية إنقاذية لم يتردد لحظة بالانضواء تحت لوائها».

«عن طريقه، وعن طريق نسيبه الرفيق إميل دباس، تعرّف الشاعر صلاح لبكي إلى الحزب. فقد كان يوسف الحويك صديقاً حميماً للشاعر صلاح، وللأديبة سلمى الصائغ، والدة زوجته عائدة. أما الأمين عبدالله قبرصي فيفيد في الجزء الأول من «عبدالله قبرصي يتذكر «أنّ صلاح لبكي هو الذي جمع سعاده بالفنان يوسف الحويك».

ويضيف الأمين جبران جريج في الصفحة 140 من كتابه «مع أنطون سعاده» في جزئه الرابع ما يلي:

« كما حدث للزعيم أن وجد وقت فراغ بشق النفس لتعلم السواقة كذلك حدث له في تلبية اقتراح للفنان الرفيق يوسف الحويك في صنع تمثال رأسي له.

كان طائعاً للفنان في كلّ ما كان يتطلبه منه ولكن على دفعات مما كان يثير بعض التبرّم من قبله، كان الزعيم يتقبّله بكلّ طيبة خاطر، إلى أن كاد يعتذر عن مواصلة العمل في هذا السبيل، لكنه ثابر إلى أن أكمل ما بدأ به وإنْ يكن على غير ما كان يتمنى ويشتهي فقدّمه إليه على علاته وتقبّله الزعيم بكل شكر».

في فترة الاعتقال الثاني لسعاده (أواخر حزيران 1936) جرى التحقيق مرتين مع الرفيق الحويك بسبب وشاية تقدّم بها الخائن عزيز الهاشم عن علاقة مالية للحزب بإيطاليا تمّت عبر الرفيق الحويك، التحقيق الأول تمّ في 24 آب 1936 وقد عقد المحقق لقاء بين الفنان الرفيق يوسف الحويك وعزيز الهاشم ثم انضم إليهما سعاده. دام اللقاء ثلاثة ساعات.

أما التحقيق الثاني فقد أجري في 26 آب، فشرح الرفيق يوسف الحويك للمستنطق كيف تعرف على الحزب موضحاً أن ذلك بدأ إثر محاضرة ألقاها في مدرسة الأميركان للبنات أبدى فيها أحلامه بأن يرى وطنه الكبير موحداً من طوروس إلى سيناء ومن قوس الصحراء إلى البحر. كانت هذه المحاضرة المدخل لتعرّفه بالزعيم الذي التقاه أكثر من مرة عند صلاح لبكي، فانتمى إلى الحزب وبعد ذلك سافر إلى فرنسا». كانت مقابلة الرفيق الحويك مع الخائن عزيز الهاشم صاخبة وحارة.

يروي الأمين عبدالله قبرصي عن لقائه الفنان يوسف الحويك عندما كان الأمين عبدالله فاراً من السلطات الفرنسية ومتوارياً ابان الحرب العالمية الثانية في منطقة «القويطع – الكورة»، التي كانت له خير ملجأ وشكل الرفقاء فيها، كما الأهالي، أفضل الحراسة والإحاطة والاهتمام.

يقول: «إنه كان غادر القويطع، إذ بدءاً من شهر أيلول 1942 أخذت «الكبسات» طابع الكثافة والكيد وصار البحث عنا جدياً». جورج عبد المسيح (الذي كان التجأ بدوره إلى القويطع حيث كان سبقه إليها الأمين قبرصي) اضطر للرحيل عنها فبقي الأمين عبدالله وحده.

«الحكمة قضت بأن نفترق أنا وجورج لكي يظلّ أحدنا حراً إذا علق الآخر وإلا توقف العمل الإداري وأحس القوميون الاجتماعيون باليتم والضياع والفراغ « !

«مرافقي الجديد رفيق شاب من جنود الزوبعة اسمه نبيل سالم. استدعيت الرفيق جورج حكيّم فامتثل. كان قومياً ممتازاً. وهو من دسكرة صغيرة بالكاد أذكر اسمها: «الفتاحات». طلبت إليه الانتقال معي إلى دسكرته ريثما نفكر في ملجأ آخر» .

ومن الفتاحات إلى صورات حيث التقى الأمين عبدالله المطران عمانويل فارس، ومنها انطلق مع مرافقه جورج حكيّم، بعد أن كان المرافق الآخر نبيل سالم قد عاد أدراجه، باتجاه عورا – قرب دوما – إلى دارة الفنان الشهير يوسف الحويك، رفيق جبران خليل جبران والعضو في الحزب السوري القومي الاجتماعي.

ويشرح الأمين قبرصي: «سرت نحو الدار المنفردة أقدم رجلاً وأؤخر الثانية. هل أقدم، هل أتراجع (هو الفار من وجه السلطات) وأخيراً قررت الإقدام وليحدث ما يحدث. الرجل رفيق فإذا تضايقت انسحبت بانتظام…

«كم كانت دهشتي أن يوسف الحويك تلقاني بذراعين مفتوحين. كأنما المفاجأة أسعدته ايما اسعاد… الفنان الكبير كان متواضعاً حتى الوداعة… كان كريماً حتى التبذير… كان فناناً بروحه وحديثه.. وريشته وازميله… لم يكن بيته ملجأً له بل كان ملجأً للفن، ولكل رائح وغاد .

«وكانت دهشتي أكبر عندما حدثني يوسف الحويك عن الحزب. إنه سوري قومي اجتماعي حتى العظم. إنه لا يزال مؤمناً. كان ميالاً للـ «طليان» لأنه خريج مدارسهم وجامعاتهم. أو لأن له صداقات مع بعض حكامهم. إلا أنه كان يحيا الحزب عقيدة ونظاماً. ويدرك بالتحليل والتعليل، لماذا الأمة السورية لا اللبنانية، ولماذا لبنان جزء من سورية الطبيعية والتاريخية .

«كنت أتصور أن الحرب وعزلة الفنان الكبير والملاحقات الفرنسية للحزب والأحكام التي صدرت والاعتقالات والحملات المغرضة أضعفت صموده، وهو على أبواب الستين وألزمته بالانكفاء والانطواء. بهرني إيمانه وصموده. بهرني اعتزازه بالحزب وبصداقته لأنطون سعاده شخصياً… «

عنه أورد الدكتور طوني يوسف ضو في معجمه «وجه لبنان الأبيض» التالي:

يوسف الحويك ( 1883-1962)

«من حلتا، نحات، فنان، مفكر وسياسي، مجاز في الفن. رائد من رواد فن النحت في لبنان. سافر إلى روما عام 1903 وتخرّج في الفن الإيطالي من أكاديمية الفنون الجميلة. زار فرنسا ومصر واليونان وإسبانيا وتفقّد معالمها الخالدة. انتقل إلى باريس يعب من فنّها ويأخذ عن أستاذ له شهير «رودان» أساليب النحت المدرسي الجلي التقاطع، لكنه آثر على روما وباريس وعورة بلدته الصغيرة الوادعة في بلاد البترون. كان رائداً شقّ الطريق فتبعه عليها شباب يبشّرون للبنان بمستقبل إبداعي. ترك آثاراً منحوتة في أماكن العبادة وفي عواصم عربية وأوروبية. نتاجه الفنّي: تمثال يوسف بك كرم – تمثال أحمد شوقي – تمثال نصفي لعمّه البطريرك الحويك – والأمير فيصل صديقه – أنطون سعاده – البطريرك الدويهي – أمين الريحاني»  .

إشارات

كان الفنان يوسف سعد الله الحويك صديقاً لجبران خليل جبران، وقد نشرت الأديبة أدفيك جريديني شيبوب في كتابها «ذكرياتي مع جبران» ما التقطته من فم الفنان الحويك عن سنتي 1909-1910 حيث اجتمع في باريس بصديق صباه جبران خليل جبران فجددا العهود القديمة.

الفنان يوسف الحويك كان أيضاً وراء انتماء المهندس أنطون ثابت إلى الحزب «من الجعبة» – الأمين جبران جريج.

كان الرفيق يوسف الحويك حاضراً في اجتماع أول حزيران 1935 عندما ألقى سعاده خطابه المنهاجي الأول.

التمثال الرأسي لسعاده الذي قام بنحته الرفيق الفنان يوسف الحويك موضوع في منزل الأمينة أليسار سعاده أبو ناصيف.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى