مقالات وآراء

«الانتخابات» آخر رهانات واشنطن وحزب الله يحشُد للمواجهة

} محمّد حميّة

رغم مناخات التفاؤل التي تولّدت بعد فك أسر الحكومة و”تحرير” الخط النفطي العربي إلى لبنان وتقدّم الحوار الأميركي الخليجي – الإيراني، إلا أنّ المشهد الداخلي بقي تحت وطأة المواجهة السياسية والإعلامية و”النفطية” بين واشنطن وحزب الله، والمرشحة للمزيد من التأزّم كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية. وحتى ذلك الحين سيعمل الأميركيون على الزجّ بكافة الأوراق المتاحة للتأثير على مسار الانتخابات ونتائجها في مناطق نفوذ حزب الله وحلفائه لا سيما التيار الوطني الحر.

فإعطاء واشنطن الضوء الأخضر لتأليف الحكومة، لم يكن خياراً نابعاً من قناعة بتغيير سياستها في لبنان، بقدر ما عبّر عن تكتيك لاحتواء وهج وتداعيات المفاجأة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باستيراد النفط الإيراني والاستعداد لتكليف شركات إيرانية للتنقيب عن النفط في لبنان، ولهذا تلاقت مصالح واشنطن مع الزخم الفرنسي لتأليف الحكومة عند النقاط التالية:

ـ استئناف المفاوضات في ملف ترسيم الحدود البحرية وفرض حلّ على لبنان لتسهيل مهمة الشركات المكلف استخراج النفط في حقل “كاريش” في فلسطين المحتلة المحاذي للبلوك رقم 9، وتندرج زيارة الوسيط الأميركي الجديد إلى بيروت بعد أيام في هذا السياق.

ـ تنفيذ الإجراءات العملية لإعادة تفعيل الخط النفطي العربي، يتطلب حكومة للتواصل مع سورية بهدف قطع الطريق على النفط الإيراني.

ـ إجراء الانتخابات النيابية، فالأميركيون بحسب معلومات «البناء» يحشدون لتحقيق آخر رهاناتهم في لبنان والعراق البلدين المعنيين بالمصالح الاقتصادية والأمن القومي «الإسرائيلي»، لذلك تسعى واشنطن إلى تغيير موازين القوى النيابية في بغداد وبيروت والسيطرة على المواقع الرئاسية فيهما لتغيير الهوية السياسية في البلدين، وبالتالي تعديل سياساتهما باتجاه أقرب للانخراط في مشاريع التطبيع وإحياء «صفقة القرن».

 وتربط المصادر بين السعي الأميركي لتحقيق هذا الهدف وبين عقد مؤتمر في العراق يدعو إلى التطبيع مع العدو «الإسرائيلي» واجتماعات السفيرة الأميركية في بيروت مع مجموعات الحراك المدني الداعمين لهذا الخيار.

ويبدو بحسب المعطيات وحركة السفيرة دورثي شيا والتسريبات من اللقاءات التي عقدتها مؤخراً، فإنّ الأميركيين يعوّلون على الانتخابات كآخر رهاناتهم بعد فشل سياسات الحصار الاقتصادي والمالي وإشعال الشارع عبر «ثورة 17 تشرين» وتفجير الوضع الأمني وفق «خطة بومبيو» 2019. لذلك لن تفكّ واشنطن حصارها قبل اختبار رهانها الانتخابي، وبالتالي لا انفراج اقتصادياً قبل الانتخابات النيابية. فإنْ نجحت في فرض أغلبية نيابية جديدة قد تترجم ذلك بحكومة تمدّها بالدعم لكي تنفذ إملاءاتها ومشاريعها، ثم تعمل على ربح الرهان الثاني أيّ انتخاب رئيس للجمهورية يدور في فلكها، وبهذه الخطة تستكمل السطو على مواقع الحكم في لبنان لفرض همينتها الكاملة.

وباستثناء «خط النفط العربي» ستجدّد إدارة بايدن فترة الحصار الاقتصادي على لبنان حتى الانتخابات النيابية وربما الرئاسية إنْ حصلت، إضافة إلى تحويل ملف تحقيقات مرفأ بيروت إلى أداة استثمار سياسية ضدّ حزب الله.

وتتهم جهات مطلعة في حزب الله عبر «البناء» الأميركيين بالضغط على حلفائها في الأجهزة القضائية والأمنية لاتخاذ إجراءات تستهدف الحزب كما يحصل في ملف مرفأ بيروت. وإذ تنفي الجهات أيّ مسؤولية للحزب في المرفأ تتساءل: أليست هذه مسؤولية الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية المختصة؟

وإزاء هذا الهجوم الأميركي أعدّ حزب الله العدّة لشنّ هجوم واسع النطاق على النفوذ الأميركي في مؤسّسات الدولة وقد أطلق عدد من مسؤولي الصف الأول في الحزب، رسائل تصعيدية للمرة الأولى باتجاه السفارة الأميركية كان أوضحها لرئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين الذي هدّد بإخراج الأميركيين من أجهزة الدولة.

وبحسب ما يقول مطلعون على موقف الحزب لـ»البناء» فإنّ صفي الدين «لم يطلق موقفاً انفعالياً أو متسرّعاً بل جاء كرسالة متعمّدة بعد التشاور في مجلس شورى الحزب الذي استشعر خطراً من استخدام مؤسسات الدولة ضدّه، وانطلاقاً من هذا الواقع سيبدأ الحزب بتنفيذ خطة على أربعة محاور:

ـ الاتهام المباشر والعلني للمواقع التي تخدم الأميركيين وتستهدف المقاومة من داخل المؤسسات.

ـ الضغط في الحكومة لإجراء تعيينات جديدة لتغيير رؤساء أجهزة قضائية وأمنية وعسكرية تحوم حولها الشبهات.

ـ تحريك تظاهرات شعبية ضدّ هذه المواقع.

ـ دعم المسار القانوني الذي يتبّعه الوزراء المدّعى عليهم لتطويق القاضي بيطار تمهيداً لتنحيته أو إفراغ تحقيقاته وقراره الظني من مضمونهما من خلال الكشف عن معطيات وأدلة كثيرة يمتلكها الحزب في تفجير المرفأ سيفرج عنها في الوقت المناسب.

وبحسب المطلعين أيضاً فإنّ إطلالة السيد نصرالله مساء اليوم تأتي استكمالاً لمسار الهجوم على الأميركيين، لا سيما بعد كلام السفيرة الأميركية التي أطلقت الحملة الانتخابية من عوكر بالتحريض على الحزب في تصريحات مسرّبة من لقاءات مع مجموعات «المجتمع المدني». وترجّح المعلومات أن يوجّه السيد نصرالله رسائل تهديد حاسمة للأميركيين وللقاضي بيطار ونصيحة للأجهزة وأخرى للحكومة في ما يتعلق بالعروض الإيرانية. مشيرة إلى أنّ استكمال الحصار الأميركي ـ الخليجي على لبنان وتكبيل الحكومة بقيود وشروط، يعني أمراً واحداً لدى الحزب ـ رفع سقف التحدي وترجمة فورية للعروض الإيرانية من ملف الكهرباء وصولاً إلى التنقيب عن النفط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى