أولى

الفشل الأميركي في آسيا ينتقل إلى أفريقيا

يستطيع الأميركيون أن يقولوا ما يشاؤون عن مسار الأمور في السودان وليبيا من موقع النصح المتعالي، أو إعلان الموقف، لكنهم لا يستطيعون الإنكار بأن تشظي هاتين الدولتين الأفريقيتين المهمتين، واحدة في وسط الساحل المتوسطي والثانية على وسط ساحل البحر الأحمر، هو نتاج فشل عمليات قادتها الولايات الأميركية تحت عنوان نقل ليبيا إلى مسار ديمقراطي، وفرض شروط نقل السودان من لوائح الإرهاب الأميركية، وأن هذه العمليات الأميركية نجحت بإسقاط من وصف بالخصم أو العدو، فسقط معمر القذافي وعمر البشير، فقتل واحد وسجن الثاني، لكن التشظي والحروب المستمرة في البلدين اطاحت بكل شيء، وهي نزاعات تجري تحت السقف الأميركي، ففي ليبيا محاور النزاع بين حلفين واحد مدعوم من فرنسا والإمارات والآخر مدعوم من قطر وتركيا، وفي السودان يتوزع الفرقاء بين حلفاء واشنطن ويتوافقون على اعتبارها سقفاً جامعاً، ولكنهم يعجزون وتعجز واشنطن عن إيجاد مناخ يتيح الإقلاع بحد أدنى من الاستقرار.

الفشل في أفريقيا يأتي بعد التسليم الأميركي الذي تنتشر الاعترافات الكثيرة بصدده، حول الفشل الاستراتيجي في آسيا، بعد عقدين من الحروب المستمرة كانت الحرب على أفغانستان أبرزها، وجاء الاعتراف بالفشل فيها مدوياً، ولا يستطيع الحديث عن الصراع مع روسيا والصين ومكانته في السياسة الدولية للإدارة الأميركية الجديدة للرئيس جو بايدن، أن يحجب هذا الفشل، فإيران المتعاظمة القوة وغير المهتمة بالدعوات الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي خير علامة على الفشل، والإعلان عن تحول الصين إلى مصدر للقلق الأميركي على التفوق الاقتصادي هو علامة على الفشل، وليس دليلاً على صدقية الحديث عن التفرغ لمواجهة الصين، التي كانت مواجهتها أصلاً حاضراً في خلفية كل حروب واشنطن، خصوصاً الحرب في أفغانستان، والمواجهة مع روسيا المتنامية القدرة هو اعتراف بالفشل بعدما شطبت روسيا من المعادلة قبل ثلاثة عقود مع سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، وسورية التي تسلم فيها واشنطن بالفشل، كانت ساحة الحرب الأميركية لتحجيم روسيا ومنعها من الوصول إلى المتوسط وانتهت باعتراف أميركي بنهائية هذا التموضع الروسي، بل صارت تعرض على روسيا شرعنة نصرها مقابل ضمان بعض المصالح الأميركية بعد الانسحاب.

أميركا العاجزة عن إعادة لم شمل حلفائها، والتي تعترف بفشلها في آسيا تدخل مرحلة جديدة مع تساقط حجارة الدومينو الأفريقية التي أوهمت نفسها والآخرين أنها جوائز ترضية للفشل في آسيا، ما يعني لمن لم يفهم أو لا يريد أن يفهم، أن الفشل الأميركي أكثر عمقاً من حدود الاعتراف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى