أخيرة

ما ينشغلُ به الإعلام… ما تشتغلُ عليه الثقافة

} رضوان هلال فلاحة

إنّ الابتعاد والانحراف عن الدور الوظيفيّ للإعلام ليس الباعث الأكثر حِدّة في استلابه من ماهيّة دوره كأداةٍ معرفيّة تمخّضت من رحم الثقافة بضرورة الإرساليّة وقصديّتها الانتشاريّة، إلّا أنّ العلّة الأشدّ ضراوة هي ما صاحب الإعلام بعدَ تبلورهِ مؤسّساتيّاً كآليّة عملٍ بين المُرسِل والمستقبِل من أدلجات قوّضت دعائميّة المرجوّ حواراً إنمائيّاً بين ثنائيّات الحركة المجتمعيّة بشتّى ضُروب المعرفة، لتأخذ في ما بعد المنحى التسليعيّ، المَناط الوظيفيّ الأبرز لارتكازها المؤسّساتيّ، على قاعدة السِّلعيّة والتسليع، مُقابِلاً للقيمة والقيميّة، الأمر الذي أطاح بالمَنوطِ به تقييميّاً كتلازم شرطيّ لآليّات عملها تنمويّاً في المستوى الإرساليّ النقديّ لجهة المُرسِل والمستقبِل، فكان أن ازدادت الهُوّة بينهما، ليحكمها بآليّاتهِ المعطِّلة للذهنيّة النهضويّة بتكريس مفهوم الخطاب على الخطاب، بدلاً من مفهوم التخاطب الجدليّ.

وحيث أنّ التحوّلات الاجتماعيّة أدّت إلى تقدّم الإعلام بصفته الإخباريّة، ووصفه الإناريِّ على الثقافة بجوهرها التنويريّ، لتكونَ أداةً إعلاميّة يُسوِّغها بما يتواءم ودوافع العرض والطلب، الّتي يعمل عليها بدواعي المنفعةِ المؤطَّرةِ استنسابيّاً للمروَّجِ له بما يحقّقُ مُقدّراته التسويقيّة، باتت الثقافة بين مطرقته وسندانه لتُساق وتُصاغ له دعائيّاً.

الإعلام السِّلعيّ بفرط نشاطه يحتاج إلى ما يُشبِعُهُ، وبهذا المسعى للإشباع لا بُدّ له من إخصابٍ يستحيلُ مع الحركةِ الطبيعيّة للنموّ العرفانيّ للثقافة بمفهومِ دورتها المُنتِجَةِ للفكر والأدب والفنّ ومُجْمَل الفعلِ الإنسانيّ المبدِع، فوجدَ مُخرَجاته بإدماج الجيّد بالرديء، لإفقاد الشرط العضويّ للقيمة التفاضليّة في مبدأ التعويم المُشكِل باصطلاحه القائمِ على فهمٍ مقصورٍ لمبدأ التعويم، الّذي يأتي على الفصل المؤدّي للتمايز بالضرورة بينهما، وما يعنيه ذلك من إقحامٍ للجيّد مع الرديء بصراع الشهرة والانتشار، الغائيّة المستوفاة من تعطيل القيمة العليا للثقافة كمُنتَجٍ إنسانيٍّ صيروريِّ الإبداع سيروريِّ التجربة، بالتوازي المصاحِب لتفعيل الأداتيّة بعناصرها ومراكزها الاجتماعيّة والمؤسّساتية المختلفة… كالمناشط والملتقيات الثقافيّة ودور النشر.

ولعلّ ما أفرزته الـ»ميديا» الحديثة عبر الشّابكة الإلكترونيّة كمفهوم لـ «تريند».. الانعكاس الأوضح للإرتكاس المجتمعيّ لمفهوم التسليع المكرِّس لفترة صلاحيّة يُسبَغ بها الإبداع والفكر الإنسانيّ، ممّا يُشيرُ بوضوحٍ للظهورات القصيرة الأمد، والأثر في الحركة الثقافيّة المُنتِجة للأدب والفن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى