أولى

ما العمل… الحاكمون متنافرون والمعارضون متباعدون والأزمة مستفحلة؟

 د. عصام نعمان*

22 تشرين الثاني/ نوفمبر هو عيد الاستقلال في لبنان. الاستقلال عن مَن؟ عن فرنسا التي حكمت لبنان نحو ربع قرن. لكن لبنان، بعد كلّ هذه السنين، ما زال محكوماً. ممن؟ من حاكمين محليين حيتان مباشرةً، ومن حاكمين طامعين عتاة في كبرى دول الغرب والشرق مداورةً.

لا استقلال ولا دولة مستقلة في لبنان فعلياً. الاستقلال مصطلح مجازيّ، وكذلك الدولة. هما أشبه بثياب مستعارة يرتديها اللبنانيون، رضاءً او اضطراراً، ليستشعروا بأنهم أصبحوا جزءاً من العالم المعاصر.

أكثر من ذلك: اللبنانيون «مستقلّون» فعلاً عن بعضهم بعضاً. كلّ لبناني محكوم عليه، بفعل النظام السياسي العتيق وليد القرن التاسع عشر، بأن يكون عضواً في طائفة «مستقلة» عن طوائف أخرى متساكنة في مناطق متجاورة، يحكم كلاًّ منها أمير أو أكثر، يرتضون أحياناً ويضطرون أحياناً أخرى لأن يحكمهم أمير من بينهم أو من خارجهم، ليتعامل باسمهم مع القوى الخارجية المتربصة والطامعة.

لم يحاول أمراء الطوائف، لا قبل «الاستقلال» ولا بعده، ولم يكن في مصلحة القوى الخارجية أصلاً، إرساء قواسم مشتركة نابعة من العيش المشترك بين أفراد تلك الطوائف ليقوموا متعاونين بتكوين نسيج اجتماعي وسياسي مشترك في ما بينهم. اللبنانيون، والحالة هذه، ليسوا شعباً واحداً موحّداً. وحدهم الأفراد المتمرّدون يتصرفون، ومثلهم الجماعات المناهضة للنظام الطائفي العتيق، تتصرف في سياق اجتماعي وجماعي عابر للمذاهب والمشارب والمناطق، وبالتالي يمكن وصفهم بأنهم شعب لبناني.

قد يكابر البعض معتبراً هذا التوصيف غلواً ومغالاة. لكن، كيف تراهم يفسرون ما انتهى إليه لبنان هذه الأيام من عصبيات طائفية وانقسامات مجتمعية وتشرذمات سياسية واجتماعية ناهيك، فوق ذلك، بالأزمات والانهيارات المالية والاقتصادية؟ بل ما عساهم يفسّرون هذا التنافر الشديد بين الحاكمين، أهل السلطة المفترضين، وهذا التباعد اللافت بين المعارضين للحاكمين ولأهل النظام الطائفي الفاسد؟

حتى لو جارينا القائلين بأن اللبنانيين شعب واحد في انتمائه وهويته وسلوكيته، فإني مصرٌّ على اعتبار الأفراد والجماعات المتمردة على منظومة الطوائف وأمرائها، المثابرين على التصرف في حياتهم اليومية بسلوكيةٍ عابرة للمذاهب والمشارب والمناطق، هم وحدهم يشكّلون بحق الشعب اللبناني، وإليهم أتوجّه بسؤالي الهادف: ما العمل؟

نعم، ما العمل؟ حيال هذا الحضيض الذي وصل إليه لبنان هذه الأيام، وما من ظاهرة أو بادرة تشي بأنّ مسار التدهور المتسارع سيتوقف في يوم أو شهر أو سنة؟ هذا يذكرني بمثل فرنسي مفاده أن الغريق لا يشعر بالارتياح إلاّ لحظةَ يصل إلى القاع. لماذا؟ لأنه لن يغرق أكثر!

إني أدعو القوى الوطنية الحيّة، قادةً وأحزاباً ونقابيين ومهنيين ومثقفين، إلى مباشرة التفكير والتدبير في مناهج ووسائل وآليات للخروج مما نحن فيه من تشرذمٍ وبؤسٍ وفقرٍ فكري ومادي ومحنة طاغية، وترجمة آرائهم وتوصياتهم النهضوية بلا إبطاء إلى فعاليات فكرية وعملانية.

لعله ليس كثيراً على القوى الوطنية الحيّة مطالبتها بالمبادرة إلى الآتي:

أولاً: عقدُ ورش دراسة وتحليل واستشراف يتولاها، منفردين أو مجتمعين، مفكرو وناشطو القوى الوطنية الحيّة،، تتناول الأسباب والعوامل والدوافع المحلية والإقليمية والدولية التي أفرزت الوضع الحالي المأزوم، وتقدّم توصيات وبرامج يمكن أن يؤول اعتمادها إلى وقف التدهور ومن ثم مباشرة العمل للخروج من الأزمة المستفحلة.

ثانياً: عقدُ اجتماعاتِ تواصلٍ وحوار مكثّفة بين قادة القوى الوطنية الحيّة لعرض ما يكون قد جرى التوصل إليه من توصيات للخروج من الأزمة، والعمل في ضوئها على استخلاص أولويات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وترجمتها إلى شعارات ومطالب للجمهور الواسع المتضرّر من تداعيات الأزمة المستفحلة.

ثالثاً: تكثيفُ الجهود الرامية إلى بناء جبهة، أو على الأقلّ تحالفٍ، بين مختلف القوى الوطنية الحيّة لمواجهة التحديات والمخاطر المحيقة بلبنان واللبنانيين، ووضع خطط ميدانية للتصدي لها ومقاومتها شعبياً على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

رابعاً: وضعُ استراتيجية متكاملة لكيفية التعامل مع القوى السياسية، التقليدية والجديدة، الناشطة ميدانياً في حال إجراء انتخابات نيابية في ربيع السنة المقبلة أو تعذّر إجرائها لأي سبب كان، وذلك في منظور العمل والحرص على وحدة البلاد والعباد والحؤول دون تدهور الأوضاع إلى مزيد من البؤس والتشرذم والتقسيم ومخاطر التراجع أمام العدو الصهيوني.

خامساً: وضعُ برنامج وطني متكامل للإنقاذ والتغيير والتعمير، وحشد القوى الشعبية لممارسة أشد الضغوط على نظام المحاصصة الطائفي ومنظومته الحاكمة بغية تجاوزهما في سياق نضال طويل النَفَس من أجل بناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

هل من خيار غير النضال بلا هوادة ضدّ معوّقات النهوض ووحدة النسيج المجتمعي اللبناني لضمان بناء دولة مدنية ديمقراطية تكفل لمواطنيها حياةً كريمة؟

_ نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى