أولى

لجم التناسل والإنفاق… بإخصاء الرجال؟

د. عصام نعمان*

قرأت كلاماً للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تلفّظ به في مؤتمر للشباب بالاسكندرية مفاده انه يقتضي اعتماد الإخصاء للجم الاستهلاك المتزايد لموارد البلاد المتناقصة والإنفاق المتصاعد على حاجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.

في الكلام المنسوب إليه، لم يشر السيسي الى ضرورة لجم التناسل المضطرد في بلدٍ أصبح عدد سكانه يربو على مئة مليون نسمة. كان في وسعه أن يستشهد بتجربة الصين في هذا المجال التي كانت حدّت من الإنجاب بجعله مقتصراً على ولد واحد للرجل الواحد. ربما لم يشر الرئيس المصري الى الحدّ من التناسل لأنّ عدد سكان مصر لم يصل بعد الى مليار وخمسمئة مليون نسمة، كما الصين، فاكتفى بأن جعل الحدّ الأعلى للإنجاب ثلاثة أولاد فقط!

الجدير بالملاحظة أنّ كلام السيسي قوبل بتأييدٍ من بعض العلماء والفقهاء المصريين ولم يجابَه الى الآن بمعارضة وازنة من الجماعات الإسلامية المتشدّدة. السبب؟ ربما لأنّ تقييد الإنجاب جائز شرعاً بدليل أنه كان معتمَداً في جميع عهود الحكومات الإسلامية ـ عهود الخلافة العربية كما عهد السلطنة العثمانية ـ وإنْ كان محصوراً بإخصاء الرجال المعدّين ليصبحوا عبيداً.

المهمّ في تصريح الرئيس المصري الدافع لتبريره اعتماد هذا التدبير وهو الحدّ من الاستهلاك المرهق لموارد مصر التي ما عادت كافية على ما يبدو لتأمين الإنفاق المتزايد على حاجات المواطنين. بعبارة أخرى، هو تدبير إصلاحي، في رأيه، لتفادي أزمة متفاقمة.

بصرف النظر عن صوابية هذا التدبير او عدم فعاليته، فإنه يطرح سؤالاً على المصلحين في البلدان التي تشكو من محدودية الموارد او تعاظم التناسل، وبالتالي عدم القدرة على الإنفاق بالوتيرة نفسها في الحاضر والمستقبل.

لبنان، مثلاً، يعاني من محدودية الموارد بعد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الناجم عن الأزمة السياسية والاضطراب الأمني المتفاقمين منذ سنتين ونيّف ما أدّى الى تراجع متواصل في موارده الاقتصادية والمالية استوجب تقليص الإنفاق على متطلبات المعيشة والصحة العامة، خصوصاً بعد استشراء جائحة كورونا. هذا الوضع السيّئ بل المأساوي قد يدفع بعض المنادين بالإصلاح في صفوف معارضي نظام المحاصصة الطائفية ومنظومته الفاسدة الى طرح الإخصاء كتدبير علاجيّ للحدّ من الإنفاق بل من التبذير والسرقات في الإدارات والمؤسسات العامة المتهالكة.

هل يُعقل فعلاً ان يُطرح الإخصاء كتدبير علاجي؟ وما حظوظه من النجاح إذا ركب بعض «المصلحين» رؤوسهم وأصرّوا على اعتماده كعلاج لما يعانيه اللبنانيون من كوارث وتراجع في الموارد والقدرة على الإنفاق؟

ليس من المستبعد ابداً أن يلجأ بعض المنادين بالإصلاح وشدّ الأحزمة الى اعتماد الإخصاء للحدّ من الإنفاق بعدما تعاظم التبذير ونهب المال العام. فالأزمة الخانقة التي يعانيها اللبنانيون في هذه الآونة بلغت من الحدّة مبلغاً جعلهم لا يتوانون عن المطالبة او القبول بأيّ تدبير يوحي بأن من شأنه تخفيف الضائقة المعيشية المستفحلة. من هنا تتبدّى الحاجة الى توضيح مساوئ وعدم فعالية اللجوء الى هذا التدبير الملتبس، وذلك على النحو الآتي:

اولاً: الافتقار إلى آليّة للتنفيذ

بات واضحاً أنّ هيكلية الدولة انهارت بكلّ أركانها ومؤسساتها، والموظفون لا يداومون لممارسة وظائفهم لأسباب واقعية: الافتقار الى مادة البنزين اللازمة لتشغيل وسائل النقل، وبهاظة أجور النقل، وعدم القدرة على تسديدها بالرواتب الهزيلة التي يتقاضونها، وقطع الطرقات نتيجةَ الإضرابات والتظاهرات شبه اليومية. كلّ ذلك أدّى الى عدم وجود آلية فاعلة لتنفيذ أي تدبير علاجي أو إصلاحي.

ثانياً: الافتقار الى جبهة سياسيّة متماسكة لمعارضي النظام والحكومة

من المؤسف انّ معارضي النظام والحكومة ما زالوا عاجزين عن بناء جبهة سياسية متماسكة تشكّل معارضةً فاعلة وبديلاً من المنظومة الحاكمة الفاسدة أو لتكوين قاعدة شعبية عريضة للضغط على أهل السلطة بغية النهوض بمسؤولياتهم وتنفيذ التدابير الإدارية والصحية المتوجبة في هذه المرحلة الخطيرة. ذلك يجعل من التفكير بأيّ تدبير علاجي أو إصلاحي ناهيك عن تنفيذه أمراً صعباً إنْ لم يكن مستحيلاً.

ثالثاً: انعدام أهليّة النظام السياسي وأهله للحكم وبالتالي ضرورة هدمه وإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً

حتى لو افترضنا انّ أهل السلطة أفلسوا وسقطوا فإنّ وضع المعارضة البائس وتركيبتها الهشة يحولان دون قيامها بتحقيق المطالب وسدّ الحاجات الملحّة المطلوبة. كلّ ذلك يؤكد ضرورة تفعيل التعبئة الشعبية وتعزيز المطالبة القديمة ـ الجديدة بهدم نظام المحاصصة الطائفية ومنظومته الحاكمة الفاسدة والعمل بلا إبطاء على بناء دولة المواطنة المدنية بما هي شرطٌ لإعادة بناء لبنان وطناً لكلّ أبنائه على أسس الديمقراطية وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع الحضاري.

أما إذا كان لا مناصّ من اعتماد تدبير الإخصاء، فيجب عدم تطبيقه على عموم الرجال في البلاد بل على الحاكمين القدامى وعلى المرشحين الطامحين لرئاسة الجمهورية ولعضوية مجلس النواب ومجلس الوزراء، بحيث يكون لكلٍّ منهم الحق بإنجاب ولد واحد، ذكر او أنثى فقط. لماذا؟

للحدّ ما أمكن من ظاهرة التوارث السياسي المتواصل للمناصب العليا والرئيسة في الحكم والإدارات العامة التي باتت وقفاً على أسر محظوظة يتوارثها أبناؤها جيلاً بعد جيل كما هو الحال في لبنان منذ قيامه العام 1920 حتى هذه اللحظة!

ـــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى