أولى

المقاومة بين الردع والهجوم…

 د. جمال زهران*

تعتبر المقاومة مفهوماً قديماً ولكنه متجدد دائماً، حيث يتجذر في التاريخ الإنساني، ولكنه يختلف من حيث الشكل. فقد ظهرت المقاومة في مواجهة الظلم والتعبير عن الغضب. ولعلّ الرجوع إلى رسائل الفلاح الفصيح في مصر القديمة، إلى الملك، للشكوى من رجال البلاط الملكي الذين ينتهكون أرضه، ويفسدون الزرع، ويسبّبون له ضرراً، ولأسرته.

وقد كانت هذه الرسائل نموذجاً فريداً، يعبّر عن رفض المواطنين للظلم الواقع عليهم دون خوف، حتى من رجال البلاط الملكي.

وقد ثبت أنّ الاستعمار والاستعماريين لم يرحلوا من البلاد المستعمرة إلا بالمقاومة الشعبية، في العالم كله، مهما كانت قوّتهم وعتادهم، ومهما طال الزمن. فالنصر هو حليف للمقاومين دائماً لهؤلاء المغتصبين للأرض والثروات، والمضطهدين للشعوب المستعمرة. ولذلك فهناك الوثائق والكتب والمقالات بلا حصر، التي تروي حكايات وقصص هؤلاء المقاومين.

في الوقت نفسه كان هناك عملاء الاستعمار، الذين يعملون في خدمتهم، ويتآمرون على أبناء عمومتهم، سعياً وراء مصالحهم الذاتية. وبالتالي فإنه يمكن القول إنّ المقاومة هي نصير المصلحة العامة للمجتمع الذي تولد فيه، بينما الخيانة والتآمر هي نصير المصلحة الذاتية والخاصة. وذلك هو الصراع، بين مصلحة عامة تناصرها المقاومة ويدعمها المقاومون، وبين مصلحة خاصة وذاتية يناصرها ويتبناها ويسعى إليها العملاء الخونة لأوطانهم وشعوبهم.

على الجانب الآخر، فإنّ المقاومة واستمرارها على كافة المستويات، وفي كلّ الاتجاهات، تسهم في خلق حالة ردعية للخصوم، لتفادي العدوان واستمرار محاولات كسر الإرادة، وفي الوقت نفسه التهديد بالهجوم، بين لحظة وأخرى، وإبراز ما تمتلكه الأطراف المقاومة من أسلحة نوعية، لتصدير القلق والخوف للخصوم، الأمر الذي يخلق حالة استقرار نسبي، نتيجة الردع والتهديد بالهجوم في أيّ لحظة.

والعكس بالعكس، تتضح أهمية المقاومة، وذلك في حالة الاستسلام والخنوع وعدم التهديد بالفعل، يخلق حالة إغراء للطرف الآخر بأن يستمرّ في الهجوم والعدوان والمبادرة. وعلى عكس المقاومة أيضاً، هناك حالة الاستمرار في الدفاع تكريساً للوضع القائم، وتمكيناً للطرف الآخر «العدو»، من ممارسة جبروته وتسلطه وتحقيق أهدافه، لعدم وجود المقاومة، لدى الطرف الأول، وعدم القدرة على إعلان التحدي بتوافر قدرته على «الهجوم»، حال هجوم المعتدي، والاستعداد لديه بالمجابهة.

وبتطبيق ذلك على حالات قائمة الآن، نجد أنّ نموذج العلاقة بين كلّ من إثيوبيا من جانب، ومصر والسودان من جانب آخر، حول «سدّ الخراب»، تقع في مربع الدفاع دون التهديد بالهجوم، الأمر الذي أغرى إثيوبيا بالاستمرار في بناء السدّ وتخزين المياه والبدء في تشغيل توربينات السدّ لإنتاج الكهرباء! دون ردّ فعل قوي وحاسم من مصر والسودان! على الرغم من أنّ هاتين الدولتين متضرّرتان، وحتماً سيتمّ نقصان ثلث المياه التي يحصلان عليها الآن، وهناك كوارث منتظرة، ما لم تتغيّر معادلة التعامل على خلفية المقاومة والتهديد بالهجوم، بديلاً للاستسلام وقبول الأمر الواقع!

كذلك فإنه في حالة المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله، حيث إنّ هذه المقاومة استطاعت تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، من الاحتلال الصهيوني بالقوة، وبعد أن كانت تتمّ محايلة الكيان الصهيوني على الانسحاب، وكان يرفض واضعاً الشروط وفي مقدمتها التطبيع مع الدولة اللبنانية، امتداداً للتطبيع مع كلّ من مصر والأردن، بل والسلطة الفلسطينية نفسها بعد اتفاق أوسلو! إلا أنّ استخدام القوة بيد المقاومة كان هو السبيل لإجبار الكيان الصهيوني على الرحيل والانسحاب المخزي.

لكن المقاومة اللبنانية، لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل استمرّت في التعاظم، والدخول للحياة السياسية اللبنانية، وأصبحت رقماً في معادلة حكم الدولة اللبنانية. وبالتالي أصبحت رادعاً للكيان الصهيوني، بحيث قيّدت حركته وغلت يديه، في العدوان على الدولة اللبنانية وشعبها. حتى أنّ محاولة تكرار العدوان الصهيوني على بيروت، في تموز 2006، ولمدة (33) يوماً، باءت بالفشل، وانكسر العدوان الصهيوني، وتوقف إلى غير رجعة منذ عام 2006، إلى اليوم (2022)، بسبب استمرار المقاومة اللبنانية، وصمودها، وتطوير سلاحها، وممارسة دور قيادي في الإقليم، خاصة في دعم المقاومة الفلسطينية. ولعلّ معركة «سيف القدس»، بين هذه المقاومة الفلسطينية، وبين الكيان الصهيوني، في العام الماضي (2021)، خير دليل على استمرار المقاومة العربية، بالتهديد ردعاً أو هجوماً.

في هذا السياق فإنّ السيد حسن نصر الله، قد أحسن صنعاً كالعادة، في آخر خطبة، في الأسبوع الماضي، بتذكير العدو الصهيوني، على ما آلت إليه المقاومة، وما تمتلكه من أسلحة، وما طوّرته منها إلى الحدّ الذي يمكن المقاومة من الهجوم على الكيان الصهيوني، إذا فكر في الهجوم على لبنان، بل وعلى الفلسطينيين. وقد تحدّث تفصيلياً عن بعض أنواع الأسلحة مثل «الطائرة المسيّرة»، وكيفية تطويرها، وأنّ المقاومة أصبحت قادرة على صنعها، ولم تعد في حاجة لاستيرادها كما كان من قبل. بل أشار أيضاً إلى الجهوزية من جانب المقاومة في التعامل مع قاذفات الطائرات وأنواعها الحديثة، لشلّ حركتها في أيّ هجوم صهيوني محتمل أو مرتقب! وقد رأينا فعلياً منذ أيام، اختراق طائرة مسيّرة تابعة للمقاومة، للكيان الصهيوني والعودة سالمة!

إنّ المقاومة اللبنانية والعربية في بعض المناطق العربية، أصبحت في وضع يمكنها بالردع بل والتهديد بالهجوم، حال تعرّض الدولة اللبنانية وشعبها لأي هجوم صهيوني، الأمر الذي يجبر هذا الكيان الصهيوني على الصمت وإلى الأبد، إن شاء الله، وتحية للمقاومة وقائدها السيد حسن نصر الله، وإنا لمنتصرون بإذن الله…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العالمي لدعم خيار المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى