أولى

أزمة في أوكرانيا وانفراج في إيران

سعادة مصطفى أرشيد*

في حين تتصاعد الأزمة الأوكرانية يوماً إثر يوم، وتترشح الأوضاع نحو مزيد من العنف، فإنها تأخذ شكل الأزمة العالمية لا الإقليمية فقط، وذلك لأنّ مفاعيلها وآثارها وتداعياتها سوف تشمل العالم بأسره. في مقابل هذا التأزم الشديد، يقترب موعد انفراج في مكان آخر، وذلك مع التوقيع القريب للاتفاق النووي بين إيران والغرب، وذلك بعد حرب لا تقلّ ضراوة وشدة عما يجري في أوكرانيا، فأربعة عقود ونيف من الحصار والعقوبات والحروب وكلّ ما في جعبة الغرب من وسائل ضغط عنيفة أو حريرية الملمس ومنها الاحتواء المزدوج وتدمير المصالح وقتل العلماء، استطاعت إيران الصمود وتحقيق نهضة صناعية علمية سيبرانية وعسكرية في سائر مجالات الإنتاج، لم تكن لتستطيع تحقيقها لولا هذا الحصار الذي أفادها على المدى البعيد.

عند توقيع الاتفاق النووي ستشهد إيران ولا بدّ انتعاشة وانفراجة هي بشوق لها، ومعها سنوات قليلة مضمونة من الانفراج لما تبقى من رئاسة جو بايدن لتحقق الكثير، قبل عودة الجمهوريين للبيت الأبيض إنْ حالفهم الحظ في الانتخابات المقبلة وهو أمر غير مستبعَد. ومع هذه الانفراجة الإيرانية، نلاحظ أنّ حلفاء إيران لا زالوا على المسافة ذاتها من الغرب وأحلافه، الحرب في اليمن تراوح مكانها، وأنصار الله في لا يزال إصبعهم على زناد سلاحهم وهم يحققون تقدّماً في حين يترنح العدوان ودول العدوان ويتعرّضون للتراجع المستمرّ، والمقاومتان اللبنانية والفلسطينية، تحققان توازنات الردع سواء مع (إسرائيل) التي تحسب جيداً مخاطر الاشتباك معهما، وداخلياً أمام معارضيهم، وهذا ما يلاحظ في الضفة الغربية والقدس حيث الاشتباك الدائم مع جيش الاحتلال في القدس وشمال الضفة الغربية، والذي يوقع الخسائر والإصابات الجسدية والنفسية في صفوف جنود وضباط جيش الاحتلال.

من الآثار العالمية للازمة الأوكرانية أيضاً، ارتفاع أسعار كثير من السلع عالمياً، الأمر الذي سيكون له تأثيره على السياسة والمجتمعات، منها ارتفاع أسعار النفط والغاز، وستستفيد منه جميع الدول المنتجة للنفط في الخليج والعالم، وهذا الارتفاع غير المسبوق يؤرق الأميركان كثيراً، روسيا المحاصرة أصبحت من أكبر المستفيدين مالياً من هذه الأزمة وهذا الارتفاع بالأسعار، وهي لم توقف ضخ الغاز في خط بريم 1 المار من الأراضي الأوكرانية والمحروس من جيشها بعناية، وقد ارتفع دخلها اليومي من بيع الغاز عبر هذا الخط إلى ما يقارب الملياري دولار، فيما لا تستطيع ألمانيا وغيرها الالتزام بالحظر الذي أعلنه جوزيف بايدن منذ أيام على صادرات النفط والغاز من روسيا. هذا وتجري الإدارة الأميركية اتصالات مزعجة لها مع الدول المنتجة للبترول لرفع إنتاجها وذلك بهدف خفض الأسعار، هذه الدول التي يبدي بعضها تمنعاً عجائبياً أمام الرغبة الأميركية وهو أمر لم تعهده من قبل مثل السعودية والإمارات العربية، فيما تتمطى مرتاحة الحكومة الفنزويلية ـ الخصم الأول لواشنطن في أميركا اللاتينية، وتطالب من يتصل بها من المسؤولين الأميركان بتحرير أموالها المحتجزة لدى البنوك الأميركية، وكذلك على الأصول المالية لشركة النفط الفنزويلية .

من هذه الآثار بالطبع لا بل من أهمّها، ما سيعود بالنفع على إيران الخارجة من الحصار الطويل، خاصة أنها تستحوذ على كميات استثنائية من الغاز والنفط بسبب صعوبة تصديره في ما مضى، وبسبب الاكتشافات البترولية الجديدة، حيث تقدّر مصادر خبراء النفط أنّ إيران ستكون الدولة الثانية في العالم في امتلاكها مخزون النفط والغاز.

خلاصة القول إنّ إيران القوية أصلاً ستزداد قوة وصلابة، بعد خروجها من الحصار الأمر الذي سيجعلها وحلفاءها محلّ استهداف مضاعف لا من (إسرائيل) فقط وإنما من جهات متضرّرة عديدة من عودة إيران للانطلاق في الساحة العالمية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سياسيّ فلسطينيّ مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى