أولى

الاقتصاد ومستقبل البلاد في قبضة «الحاكم»

 بشارة مرهج*

في الوقت الذي تباشر فيه لجنة المال والموازنة البرلمانية مناقشة مشروع الموازنة الهزيل الذي يستهدف رفع الرسوم والضرائب على الشعب والإجهاز على ما تبقى من مدّخرات اللبنانيين، وفي الوقت الذي تفشل فيه الحكومة في حلّ أبسط المشاكل، يتعثر القضاء اللبناني عن تنظيم صفوفه وينكفئ عن مخاطبة مختلف القضايا المالية الحساسة التي تشغل بال اللبنانيين وتهدّد مستقبلهم بالكامل. ويصبح هذا الخطر ماثلاً ما لم ينهض القضاء لحسم الملفات التي «تغلي» بين يديه وفي طليعتها استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة، والتعاون في التحقيقات التي فُتحت في خمس دول أوروبية للنظر في مخالفات حاكم البنك المركزي الذي يُصرّ على تعطيل القضاء على كلّ مستوياته وفرض نفسه حاكماً أوحد على اللبنانيين يقرّر مصيرهم بأدقّ التفاصيل دون أن يخضع لأيّة مساءلة أو محاسبة.

يحدث كلّ ذلك بالرغم من انهيار صورة «الحاكم» وانكشاف حساباته التي لم تعد شركات التدقيق المالي اللبنانية والأجنبية قادرة على تغطية ثغراتها وفجواتها وانحرافاتها، لا سيما بعد تفشي الحديث عنها في المؤسسات والمحافل الدولية وفي مقدّمها صندوق النقد الدولي الذي هاله أن يحوّل حاكم البنك المركزي الخسائر التي راكمها عبر السنين (وقد تجاوزت 60 مليار دولار) الى موجودات وأصول في أكبر عملية تحوير للحقيقة شهدتها البشرية.

إنّ الحديث عن هذه العملية في الأوساط العربية والدولية لا يمكن الاستهانة به على الإطلاق لأنه يلوّث سمعة لبنان إلى أجيال وأجيال ويزرع عقبات كأداء في وجه التعامل معه، خاصة إذا استمرّ القضاء اللبناني ممتنعاً عن مقاربة الموضوع في بلد تتداعى فيه سريعاً قيَم الحق والعدالة.

وإذ ينكر الحاكم حتى الآن حدوث هذه الفجوة الكارثيّة محاولاً بلبلة الرأي العام اللبناني والخارجي، مستعيناً ببعض الأقلام والأبواق، فثمة قضايا أخرى لم يعد ينفع معها الإنكار مع أنّ الاعتراف بها هو المقدّمة الأولى للمعالجة ووضع البلاد على سكة المعافاة.

ويأتي في طليعة هذه القضايا التي انعكست ألماً ومرارة لدى اللبنانيين وتردّياً وانهياراً في الاقتصاد اللبناني الأمور الآتية:

ـ الامتناع عن إعلان حسابات مصرف لبنان دورياً بحسب ما يفرضه القانون والاكتفاء بطرح أرقام جزئية تزيد من الغموض وتجعل مرجعيات الدولة اللبنانية ومؤسّساتها في حالة ارتباك مزرية خاصة في اللقاءات التي تحصل مع مؤسّسات دولية أو شخصيات أجنبية.

ـ تأسيس شركة مع أقرباء وتكليفها مهمات متصلة بعمل البنك المركزي وتفضي إلى أرباح مضمونة بملايين الدولارات سنوياً.

ـ المماطلة في تقديم الحسابات والمستندات الى شركة «الفاريز أند مارسال» المكلفة إجراء التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي بموجب عقد وقعته مع الدولة اللبنانية. علماً بأنّ هذه المماطلة يطالها القانون لأنها جريمة متمادية تضرّ بمصالح لبنان ومكانته.

ـ التمييز ضدّ اللبنانيين ومنح قروض ميسّرة جداً بدون سند قانوني لعشرات الشخصيات والمؤسسات اللبنانية مما رتب خسائر كبيرة على البنك المركزي.

ـ تجاوز الاحتياط القانوني واستخدامه في نواح لم ينص عليها القانون.

ـ التصرف الكيفي بأموال البنك المركزي ومنح قروض للمصارف بفوائد زهيدة تحت عنوان الهندسات المالية، تلك العملية التي رفضتها الدائرة القانونية في البنك، ورتبت هدراً بمستوى 5.6 مليار دولار بشهادة العديد من الخبراء والمرجعيات والمصرفيين.

ـ الامتناع عن تفعيل المؤسسات والآليات القضائية والمصرفية وعدم التصدّي لعمليات إخراج الأموال من لبنان بعد إصدار التعميمات ذات الصلة من البنك المركزي.

ـ السكوت عن عدم قيام المصارف بالرسملة المطلوبة وضمن المهلة التي حدّدتها تعاميم البنك المركزي نفسه، خاصة التعميم الرقم 154 الصادر في 27 آب 2020 الذي نص على استعادة ما نسبته 30% من التحويلات (التي فاقت 500 ألف دولار) لأصحاب المصارف والمدراء والمساهمين والمعرضين سياسياً (P.P.S).

ـ إطلاق التصريحات المتكرّرة بأنّ الليرة بخير مما ضلل الشعب اللبناني في حين كانت القلة المصرفية تحوّل أموالها للخارج لأنها كانت تعرف حقيقة ما يدور في الكواليس.

ـ رفض إقرار قانون الكابيتال كونترول لإتاحة المجال أمام المنظومة المصرفية السياسية نقل أموالها إلى الخارج ووضع اليد على أموال اللبنانيين والأشقاء العرب وسواهم من المودعين.

ـ التقليل من شأن تعددية سعر الصرف وادّعاء هامشيته رغم انه تحوّل لاحقاً الى سعر معتمد في الأسواق أكثر من السعر الرسمي.

ـ تعطيل النظام المصرفي وتحويل المصارف الى دكاكين صيرفة خلافاً لما نص عليه قانون النقد والتسليف في ما يعود الى وظائف المصارف التجارية.

وإذ نكتفي بتعداد هذه النقاط التي يرفض الحاكم مناقشتها وترفض السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إخضاعها للبحث والتدقيق والتحقيق فلا يسعنا، حفاظاً على المال العام وحفاظاً على فرص محتملة للنهوض، سوى وضعها أمام الهيئات الشعبية والمنظمات غير الحكومية في الوطن والمهاجر لتقوم بواجباتها وتجري المحاسبة الضرورية بالطريقة الديمقراطية التي ترتئيها خدمة للحقيقة وخدمة لبلد غني بالكفاءات يدّعي حكامه أنه بلد العلم وشرعة حقوق الإنسان وموطن أول مدرسة حقوق في الشرق.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*نائب ووزير سابق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى