الوطن

بين النهب والفساد في الداخل… والضغط والحصار من الخارج

} خليل بركات*

أدّى الانهيار الاقتصادي والمالي الذي يشهده لبنان، الى إفقار الغالبية الساحقة من الناس، من بينهم 30 % دون خط الفقر، فبات المواطن عاجزاً عن تأمين الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش، من الغذاء والدواء والاستشفاء، وتأمين بدلات السكن والكهرباء والانتقال والتعليم، في ظلّ تفشي البطالة على نطاق واسع، وانهيار قيمة الليرة عما كانت عليه.

 انّ ما وصلنا إليه، ناتج عن بنية النظام اللبناني، القائم على أسس طائفية، تتقاسم فيها الطبقة المتحكّمة، المراكز والمنافع باسم الطائفة والمذهب، لتحلّ المحسوبية محلّ الكفاءة، بحيث يجد المواطن نفسه مضطراً للالتجاء لهذا أو ذاك، من النافذين من أجل حماية حق أو باطل. فتصبح إرادته مرتهنة لمن قدّم له هذه «الخدمة»، وتضيع المساءلة والمحاسبة، ويتفشى الفساد في المجتمع.

إنّ صاحب الحق غير «المدعوم»، هو «يتيم» وضعيف ليس له نصير إلاّ ضمير المسؤول، إنْ وُجد، وتجرّأ على إحقاق الحق، في مواجهة الباطل «المدعوم» القوي.

لقد جاء اتفاق الطائف، بعد اضطرابات أمنية وسياسية خطيرة مرّت بها البلاد، منذ العام 1975 وحتى العام 1990، حيث تضمّن العديد من الاصلاحات الدستورية. ولكنها بقيت ضمن إطار «المحاصصة» الطائفية. وعلى الرغم من ذلك، لم يجرِ الالتزام بالدستور الذي جرى تعديله بموجب اتفاق الطائف.

 لقد مارست الطبقة المتحكّمة، بعد اتفاق الطائف، ممارسات مخالفة للدستور والقوانين المرعية الإجراء، مستخدمة الغطاء الطائفي لتبرير تجاوزاتها، ومتلحفة بحماية المرجعيات الدينية، لمنع محاسبتها على أفعالها الجرمية. فسارعت هذه المرجعيات الى إعلان حمايتها لهؤلاء المرتكبين، والقول بأنهم خط أحمر، ممنوع المسّ بهم، وأنّ المسّ بأحدهم، هو مسّ بالطائفة التي ينتمي اليها المرتكب ـ المجرم.

لقد مارست الطبقة المتحكّمة، أعمال نهب الدولة، وسرقة المال العام، والفساد بأبشع صوره، الى جانب الصفقات المشبوهة والسمسرات، والاستيلاء على الأملاك البحرية، على طول الشاطئ اللبناني، بمساحة تزيد على خمسة ملايين متراً مربعاً، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، عبر الأزلام والمحاسيب.

كذلك، فقد سرقت عصابات المصارف هي الأخرى، أموال الناس المودَعة لديها، مرتكبة جرم «خيانة الأمانة» بأبشع صورها، مستظلّة بحماية سياسية، مدفوعة الأجر، وقضاء متقاعس وعاجز عن ملاحقة كلّ هؤلاء المرتكبين، فلم يُلاحق أيّ منهم، بالرغم من مرور حوالى سنتين على الانهيار، باستثناء حالة فريدة، قامت بها الرئيسة غادة عون، النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، ولكنها قوبلت بحملة واسعة وشرسة ضدّها، بدلاً من تأييدها ومناصرتها، الأمر الذي يدلّ على قدرة هذه العصابات على مواجهة الحقّ والحقيقة، على حساب الشعب المظلوم.

 والجدير بالذكر، أنّ الطبقة السياسية من وزراء ونواب، يجمعون على أنّ حقّ المودعين هو حقّ مقدس، وأنهم لن يسمحوا بالمسّ بهذا الحقّ. ولكن مثل هذا القول، لم يُترجم الى مواقف عملية، بإصدار القوانين التي تلزم المصارف بدفع الأموال المودعة لديها الى أصحابها. فبقيت المصارف متمنعة عن الدفع، الأمر الذي زاد من حالة الاختناق المادي والمعيشي لدى المودعين.

كذلك، فإنه الى جانب أعمال النهب والسرقة والفساد التي تجري في الداخل، يتعرّض لبنان لضغط من الولايات المتحدة الأميركية، لمنعه من التعامل مع روسيا والصين وإيران، التي ترغب بتقديم المساعدة، بإقامة مشاريع استثمارية، وذلك بإنشاء محطات الكهرباء، وإقامة مصافي النفط، وسكك الحديد، وإعادة تأهيل مرفأ بيروت، والمرافئ اللبنانية الأخرى والتنقيب عن النفط والغاز، وإقامة نفق يسهل الوصول الى البقاع، وغيرها من المشاريع، دون أن ترهق لبنان مادياً، الأمر الذي يؤدّي الى تنشيط الاقتصاد اللبناني، عند حصولها.

 إزاء هذه الضغوط الأميركية لم تتجرأ السلطات اللبنانية من الإقدام على التفاوض، مع أيّ من هذه الدول، والاتفاق معها على تنفيذ أيّ من هذه المشاريع.

وتترافق الضغوط الأميركية مع حملة إعلامية واسعة، مدفوعة الأجر، ضدّ حزب الله، واتهام المقاومة بالإرهاب، وبأنها مسؤولة عن الفساد وعن الانهيار الذي حلّ بلبنان، وعن حالة الفقر التي حلّت بالناس، وذلك بقصد تأليبهم على المقاومة، والمطالبة بنزع سلاحها، تسهيلاً لانضمام لبنان لاحقاً، الى جوقة المطبّعين الخونة، مع العدو الصهيوني، وصولاً الى تصفية قضية فلسطين.

لقد انساقت العديد من الأنظمة العربية، مع توجهات السياسة الأمريكية، في الحملة على المقاومة، واتهامها بالإرهاب. كما شاركت قوى وشخصيات سياسية، داخل لبنان في الحملة على المقاومة، بالتحريض والاستفزاز، واستثارة العصبيات غير عابئة بما يجرّه ذلك من ويلات على لبنان، تضاف الى الويلات الناشئة عن الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي الذي تشهده البلاد، وأوجاع الناس المعيشية.

إزاء مجمل هذه الأوضاع، فإنّ على السلطتين التنفيذية والتشريعية، مسؤولية اتخاذ القرارات، وسنّ التشريعات التي تصون حقوق المودعين في المصارف، فعلياً والسير بالتحقيق الجنائي، والخروج من حالة التسويف والمماطلة، المستمرة منذ عام ونصف، التي تعرقل البدء في التحقيق، كي تتمكن الدولة من إعادة الأموال المنهوبة والمهربة.

 كما انّ السلطة القضائية، المؤتمَنة على تحقيق العدالة، مطالبة باتخاذ مواقف جريئة لكشف الفاسدين، وسارقي الأموال العامة، وأموال المودعين في المصارف، وملاحقتهم قضائياً، وإنزال العقاب بهم وفقاً لأحكام القانون، وحجز أموالهم المنقولة وغير المنقولة لاستعادة ما سرقوه من أموال المودعين.

*محام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى