مقالات وآراء

هل يُجدّد المواطن ثقته بالمنظومة السياسية…؟

} علي بدر الدين

لا يُخفى على أحد، أن موسم الانتخابات النيابية الموعودة منتصف الشهر المقبل، تحوّل إلى حفلات جنون «سياسية وشعبية» متنقلة، إلى حدّ التراقص على حبال مشلّعة، وآمال معلّقة، وطموحات يائسة، وحسابات آنية وضيقة، قد لا تستحق كلّ هذا الضجيج، وهذا المنسوب المرتفع من الخطاب الطائفي والمذهبي الناري والإلغائي، حتى بات جميع المرشحين بخلفياتهم السياسية والاجتماعية، إنْ كانوا من داخل الطبقة السياسية التي تتوارث السلطة بأشكالها وتنوّعها وتعدّدها، او من خارجها، أيّ من الطامحين إلى دخول «جنتها» و»احتلال» موطئ قدم لهم للآتي من الزمن، يتصارعون على صفيح ساخن، بل على فوهة بركان يغلي، من أجل مقعد نيابي «بالزايد أو بالناقص»، «لا يغني ولا يسمن» ولا يؤخّر او يقدّم أو يغيّر أو ينقذ اللبنانيين من القعر الذي أوقعتهم فيه المنظومة السياسية والمالية والسلطوية، عن سابق إصرار وتصميم وبالتكافل والتضامن، من أجل مصالح مشتركة وتحاصصٍ وتقاسمٍ وتبادلٍ للأدوار، وحمايات متبادلة وترك «طابق فسادهم مستوراً»، وإشغال بيئاتهم الحاضنة بالبحث عن لقمة العيش والدواء والغذاء والرغيف، والكهرباء التي طار تيارها إلى الأبد، ما دامت هذه المنظومة، قادرة على «تأمينها» للشعب على حسابه، تارة عبر المولدات الخاصة المملوكة من الأزلام والمحاسيب والأتباع، أو من خلال نصبها لفخاخ «الطاقة الشمسية» البديلة والمكلفة جداً، وقد وقع فيها الموطنون «من دون أن يسمّي عليهم أحد» وأقدموا على تركيبها بشغف وحماس، وقد باعوا للحصول على كهرباء هذه الطاقة كلّ أو بعض ما تملك زوجاتهم وبناتهم من حليّ، او اقترضوا مالاً بفائدة أو استدانوا من قريب او جار أو مقتدر، حتى أنهم باعوا بعضاً من أثاث بيوتهم من أجل تأمين التيار الكهربائي، وهذا من حقهم والسعادة تملأ قلوبهم، ولكنهم لم يدروا أنهم بذلك، أراحوا السلطة من «نقهم»، وخففوا عن أفرقائها التهم بالتقصير الكهربائي، انه ينطبق عليها المثل الشعبي «فالج ولا تعالج»، وأنهم يؤمّنون ربحاً مالياً إضافياً يراكم من ثروات هذه المنظومة وأزلامها ووكلائها الذين يستوردون مستلزمات الإنارة على الطاقة الشمسية حصرياً، ويتلاعبون بأسعارها صعوداً، بعد ان يخفونها من الأسواق ويعيدون طرحها بأسعار عالية.

 الأثمان الباهظة التي يدفعها الشعب مقابل الحصول على حقه في الكهرباء والغذاء والدواء والطحين والمحروقات، وغيرها الكثير من الخدمات المعدومة والمسروقة والمصادرة، وفوقها الذلّ والهوان والحرمان المزمن والمتواصل، حوّلتها المنظومات الحاكمة ماضياً وحاضراً، وما تخطط له من خلال الانتخابات النيابية لبقائها وديمومتها، إلى ملكيات حصرية لها ولمن حولها ومن معها يتوارثونها جيلاً بعد جيل، ومن دون خجل وبكلّ «عين وقحة» تطلب من شعب أفقرته وجوّعته وأذلته، أن يجدّد ثقته فيها، ويبايعها عبر صناديق الإقتراع، مقابل لا شيء، سوى وعود مكرّرة وممجوجة وكاذبة، وبرامج ومشاريع وهمية وهي في أحسن الأحوال موجودة على الورق، ومقفل عليها في الأدراج، لا تخرج منها إلى النور، إلا بصفقات وحصص متبادلة ومتساوية بين مكونات المنظومة، والشعب يشهد على هذا التحاصص في ما بينها، في كلّ شيء جامد أو متحرك، وآخر مثال، التشكيلات الديبلوماسية، التي تأجل إقرارها في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، بعد أن رمى وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بو حبيب «فتيشة» المحاصصة، وكانت كافية لإحداث صدمة في الوسط السياسي والشعبي، أدّت إلى تأجيلها حتى هدوء العاصفة الاعتراضية عليها، لا سيما أنّ الزمن الانتخابي ليس ملائماً لكشف المستور التحاصصي الفضائحي المجهول المعلوم.

هذه الانتخابات (إذا ما حصلت) لا تستحق، كلّ هذا الضجيج ولا هذه الإثارة غير المبرّرة، ولن تتوقف عندها حركة التاريخ القريب والبعيد، خاصة إذا كانت نتائجها معروفة سلفاً وقبل حصولها، ربما تحصل «خروقات» بسيطة في منطقة معينة، لا يمكن الاعتداد بها أو التعويل عليها في هذه المرحلة الصعبة والقاسية التي تطغى بقوة على البلد، بعد أن أفرغته العهود والحكومات والطواقم السياسية والمالية والسلطوية، من مقومات قيامة وطن وبناء دولة المؤسسات، لكنها على بساطتها قد تؤسّس لمرحلة جديدة، تنضج فيها العقول، وتثمر وعياً ووطنية ووحدة ويسقط فيها فعلياً «الأنا» والتفرّد والفوقية والمزاجية والطموح الجامح من دون أرضية صلبة أو معطىً إيجابياً، يصلح ويحفّز على التغيير المنشود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى