أخيرة

مَن لا يثور على المذلة لن يُثابْ

} يوسف المسمار*

 

يا مَن يُجذفُ في عباب ٍ من ضباب

ماذا جنيتَ سوى التخبّط في العباب

هل صرتَ تدركُ أم بقيتَ مؤرجحا ً

بين السؤال وبين أشكال الجواب

آثرتَ تبحرُ في الغياهب واهما ً

أن التشبثَ بالضباب هو الصواب

فضللتَ في سُحب الظنون مكابرا ً

تسعى بأوهام الغيوب بلا ارتياب

لم تقرأ الآيات في الكون الذي

ما كان إلّا للجهول سوى السراب

لم تقرأ النفسَ التي فيها انطوى

ما بانَ من علمٍ وما في العمق غاب

لم تنتفعْ بالنور بل كُنتَ الذي

هامَ ارتيابا ً بين شك ٍ وارتيابْ

كنتَ الذي حسِبَ الضلالَ تعبقرا ً

والنورَ ضربا ً من ضروب الاكتئاب ْ

فحصدتَ ما تزرُ الرياحُ من التوافه

والغبائرِ والكرائهِ والهباب ْ

يا أيّها المغرور هل تدري بأنكَ

من تراب ٍ لن يصيرَ سوى تراب ْ؟!

إن كنتَ تدري فاتعظ ْ مُتأملا ً

ماضي الخليقة كيف غابَ بلا إياب ْ

سقطت عروشُ الواهمين ولم تعدْ

إلا َّ خواءً لاحَ وانطفأ الشهاب ْ

هزمتْ أماني الحالمين لأنها

رُسمَتْ بألوان الضباب على الضبابْ

وتبخرتْ ألحانُ آمال الشرود

على شواطئ من محيطات الغياب ْ

يا أيها الإنسان كنتَ ولم تكنْ

إلا َّ كشكل ٍ من سحاب في سحاب ْ

فمتى تفيءُ وتستحمّ بموجة ٍ

من نور شلّال ٍ تألقَ بانسياب ْ؟

لترى الطريقَ إلى التسامي مدرجا ً

يرقى بأخيار النفوس الى القباب ْ

ويظلُ يُمعنُ في الصعود تألقا ً

نحو الكمالِ ولا يحيدُ عن الصواب ْ

لم يُوجد الإنسانُ إلا كي يرى

نور الألوهة دون سترٍ أو حجاب ْ

فإذا إستقامَ على الهدى بلغ العلى

وارتادَ آفاقَ السماءِ بلا حساب ْ

واختال في حضن الإله بسعيه

في الأرضِ خيرا ً فاستحقَ المستطاب ْ

قَهَرَ الشرور بنهضة ٍ قد أيقظتْ

ما في العقول من الفتوة والشباب ْ

تجتثُ كل رذيلة ٍ بالخير قد

دفعت بأشرار النفوس الى الخراب ْ

فتزول كل رذيلة ٍ بفضيلة ٍ

ويسود في الناس التعاطفُ والتحاب ْ

لم يخلق الإنسانُ كي يمشي كما

تمشي البهائمُ بالتوحش ِ كالذئاب ْ

من يرتضي للآخرين مَذلة ً

لا يستحقُ سوى الدمارِ من العقاب ْ

من يقبلُ الذلَّ المهين ولا يثورُ

على المذلِّ بغير ذلٍ لن يُثاب ْ

إنَّ النفوسَ ذليلة ٌ بظلامها

فإذا استنارت فالشموخُ لها الثواب ْ

*شاعر قوميّ مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى