أولى

إحياء قيَم العداء تجاه العدو الصهيونيّ؟!

 د. محمد سيد أحمد

ليست المرة الأولى التي نتحدّث فيها عن علاقتنا بالعدو الصهيوني، وبالطبع لن تكون الأخيرة ما دام هذا العدو لا يزال محتلاً أرضنا العربية. فالعلاقة بين مجتمعاتنا العربية والعدو الصهيوني علاقة تاريخية تجاوزت قرناً من الزمان، وارتبطت تلك العلاقة بمنظومة القيم التي تشكلت عبر التفاعلات الاجتماعية بين الطرفين، ففي الوقت الذي نشأت فيه فكرة قيام وطن قومي لليهود وتم الاستقرار على أن يكون هذا الوطن هو فلسطين العربية، بدأت العلاقة تتكوّن وبدأت منظومة القيَم تتشكل. وإذا كانت الفكرة الصهيونية الأساسية تتركز على اقتلاع شعب من أرضه حتى يتمكن اليهود من جمع شتاتهم عبر الاستيطان في هذه الأرض الجديدة فهذا يعني أن القيمة الناتجة عن عملية الاقتلاع ستكون هي العداء المطلق.

وبالفعل بدأت عملية التهجير القسري للشعب العربي الفلسطيني وبشكل ممنهج منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وتعدّ هذه العملية من أكثر عمليات انتهاك حقوق الإنسان في تاريخ البشرية، لذلك لا عجب أن تتشكل منظومة قيَم عدائيّة تجاه هذا العدو الصهيوني المغتصب للأرض والتي تعرف في الثقافة العربية التقليدية بأنها عِرض، وبالطبع وجد العدو الصهيوني في القوى الاستعمارية ضالته المفقودة، حيث ساعدته ومكنته من عمليات التهجير القسري مما مكنه من إعلان دولته المزعومة قرب منتصف القرن العشرين.

وفي أعقاب إعلان الدولة المزعومة للعدو الصهيوني كان الصراع العربي معه قد بدأ حيث تحرّكت ستة جيوش عربية للدفاع عن الأرض الفلسطينية المغتصبة في عام 1948 وكانت هزيمة الجيوش العربية بداية جديدة لترسيخ قيَم العداء لهؤلاء الصهاينة ليس فقط على مستوى الشعب الفلسطيني بل على مستوى الشعب العربي بكامله من المحيط إلى الخليج، ومما زاد ووسّع رقعة العداء هو مشاركة العدو الصهيونيّ في العدوان الثلاثيّ على مصر في عام 1956.

 ثم كان التحرّك الأكبر لتوسيع رقعة العداء وترسيخه داخل منظومة القيم العربية بالعدوان الجديد في 5 يونيو/ حزيران 1967 حيث أصابت الأمة العربية هزيمة جديدة في مواجهة العدو الصهيوني، وتمّ اغتصاب أرض عربية جديدة في فلسطين ومصر وسورية والأردن ولبنان وهي دول المواجهة مع العدو الصهيوني، وبذلك تأكدت الفكرة الصهيونية التاريخية والتي تتجسّد في مقولة “دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات” وهي العبارة المسجلة فوق باب الكنيست والتي تجسّد الأطماع الصهيونية في الأرض العربية والتي يغفلها الكثيرون الآن.

وتحت ضغط الشعب العربي الغاضب خاضت مصر وسورية وبدعم عربي شبه كامل حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، حيث تمكنت ولأول مرة من هزيمة العدو الصهيوني، الذي قرّر بعدها اتباع سياسة جديدة يسعى من خلالها لإنهاء الصراع العربي معه، وإحلال سلام مزعوم عبر تسويات عربية منفردة، وهنا جاءت كامب ديفيد في نهاية السبعينيات والتي شكلت بداية الخلل في منظومة القيَم العربية في مواجهة العدو الصهيوني، حيث بدأ التطبيع الرسمي مع العدو فشاهدنا اتفاقية أوسلو ثم وادي عربة في مطلع التسعينيات، ورغم المقاومة الشعبية إلا أنه مع الوقت بدأت تتسع دائرة المطبّعين سراً ثم جهراً.

 ولم تعد المسألة تطبيعاً رسمياً فقط بل بدأت بعض الأصوات داخل النخبة السياسية والثقافية العربية تنادي بالتطبيع مع العدو الصهيوني وهو ما ألقى بظلاله على منظومة القيَم العربية تجاه هذا العدو، حيث تأثر العقل الجمعي بشكل كبير فعندما أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن الاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل” في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017، ثم نقل سفارة بلاده إلى القدس وجرى افتتاحها في 14 مايو/ أيار 2018، لم نشهد تلك التحركات الشعبية الغاضبة التي كانت تنفجر في مواجهة أيّ فعل عدائي يقوم به العدو الصهيونيّ ضدّ مجتمعاتنا العربية، بل أصبح هناك من يرى زيارات ومقابلات المسؤولين الصهاينة أمراً عادياً لا يستدعي الغضب.

ولم يتوقف هذا الخلل الواضح في منظومة القيم العربية في مواجهة العدو الصهيوني عند هذا الحدّ بل وجدنا هرولة عربية رسمية جديدة تجاه العدو الصهيوني في نهاية العام 2020 ومطلع العام ،2021 حيث وقعت الإمارات اتفاقية سلام مزعومة في 11 أغسطس/ آب 2020، أعقبتها اتفاقية مع البحرين في 11 سبتمبر/ أيلول 2020، ثم اتفاقية مع المغرب في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، وجاءت الاتفاقية الأخيرة مع السودان في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، وفي أثناء هذه الهرولة غير المسبوقة لم يتحرك ساكن للشعب العربي من المحيط إلى الخليج، لذلك لا عجب أن يتمّ اجتياح المسجد الأقصى عدة مرات وآخرها هذا الأسبوع ويتمّ الاعتداء على المصلين واعتقال المعتكفين فيه والمرابطين في باحاته تحت مرأى ومسمع من العالم أجمع دون أن يخرج صوت عربي ليشجب ويدين العدوان الصهيوني الغاشم.

 لذلك يجب أن ندعم قيَم العداء ونعيد ترسيخها داخل العقل والضمير الجمعيّ العربيّ تجاه العدو الصهيونيّ، ونكشف زيف ادّعاءات تيار التطبيع السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي مع العدو الصهيوني سواء كان رسمياً أو غير رسمي والذي يرفع راية السلام المزعوم، وهو التيار الذي ترسخ منذ كامب ديفيد وحتى اليوم واستطاع عبر السنوات الأخيرة أن يكسب أرضية واسعة لدى الأجيال الشابة.

ولا بدّ من العودة لرفع الشعارات نفسها التي رفعها الرئيس جمال عبد الناصر “لا صلح لا تفاوض لا اعتراف”، و”ما أخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بالقوة”، بل ومواجهة كلّ الذين ينادون بالسلام المزعوم مع العدو الصهيوني بأنّ البندقية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي في مواجهة العدو الصهيوني، ومن يرى غير ذلك فإنه يسعى إلى خدمة المشروع الصهيوني، ومن يرى عدم قدرتنا على مواجهة العدو الصهيوني فعليه أن ينظر فقط للعمليات الفردية الفدائية للمقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة التي يرتعد منها العدو الصهيوني ويخشاها ويعمل لها ألف حساب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى