ثقافة وفنون

العراق مملكة الجهات الأربع…

} سارة طالب السهيل *

 في السنوات الماضية تصدَّرت أخبار العراق معظم وسائل الإعلام العالمية، سياسة واقتصاداً وأوضاعاً اجتماعية ومعيشية وإنسانية متعثرة وصعبة، الى أخبار الموت والدمار والانفجارات وغيرها من المآسي التي حلّت، لكن الجميع نسيَ أو تناسى، أن هناك أخباراً هي الأجدر والأصحّ أن تقرأ وتعلن وتشاهد وتسمع.

العراق يا سادة ليس اليوم وليس الأمس القريب، العراق حضارة تمتدّ في عمق التاريخ، انظروا عبر المدى، وتأمّلوا كيف كانت الحضارات العظيمة تتوالى على هذه الأرض المقدسة،

العراق ولدت على أرضه كلّ الحضارات، وكان مهبطاً للأديان السماوية العديدة، وتحت أرضه تكمن الأسرار التي تظهر من أين بدأ التاريخ الإنساني، وكيف كان «جلجامش» الملك العظيم نواة أول انبثاق للأدب والفلسفة الإنسانية.

يُعدّ العراق جسراً أرضياً بين ثلاث قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا وممراً يصل بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، وهو أغزر بقاع الأرض مياهاً ومن أكثرها خصباً.

في مساحة تبلغ 438446 كيلومتراً مربعاً تقع فيها 18 محافظة عراقية تتوسطها على ضفتي نهر دجلة، مدينة بغداد العاصمة التي بناها الخليفة المنصور، وتعتبر هذه المساحة جسراً أرضياً بين ثلاث قارات: آسيا وأفريقيا وأوروبا، إذ ينحدر نهرا دجلة والفرات من ذرى الشمال في محور شبه غريب قرباً وابتعاداً ينشران روافدهما الى حدّ التشابك، ليلتقيا في عناقٍ مع محافظة البصرة في الجنوب، وليشكلا شط العرب. طول دجلة من المنبع الى المصب 1718 كلم، أما الفرات فطوله 2300 كلم، وطول شط العرب في الجنوب 110 كم من ملتقى الرافدين الى مصبّه في الخليج العربي.

 يُقال إنّ التنوع العرقي الديني والطائفي واختلاف الأجواء في العراق بين الشمال والوسط والجنوب منحوا هذا البلد، ميزة أخرى ينفرد بها عن باقي البلدان في العالم، وهذا التنوع جعل هذا البلد ينصهر ومنذ قديم الزمن مع حضارات العالم سريعاً، باعتبار ان كلّ الأديان موجودة فيه، وكذلك حدوده التي تشرف على بلدان عدة منحته هي الأخرى ميزات سياحية مضافة.

 يُقال أيضاً، إنه أطلق على العراق مملكة الجهات الأربع في زمن الملك حمورابي، وإنّ من يحكم هذه البلاد يُقال عنه ملك لهذه الجهات باعتباره يشرف عليها من موقعه، لهذا كله، كان هذا البلد مرصوداً من كلّ الجهات التي تحاول دوما ان تحكمه.

عاش الإنسان في العراق منذ دهور موغلة في القدم، وقد وجدت آثاره في الكهوف وفي الجبال الشمالية والشمالية الشرقية، وما زالت محفورة فيها لغاية اليوم، ولو تصوّرنا اهتماماً بسيطاً بتلك الآثار مع أجواء موسيقية مناسبة، ونحن ندخل كسيّاح الى تلك المناطق مع توفير الخدمات المناسبة ماذا كان سيحصل وكيف يمكن لنا ان نحصي عدد الذين سيدخلون تلك الكهوف الجميلة التي تحمل تاريخ الإنسان، في تلك الحضارات، ولو دخلنا مدينة «جمجمال» في مدينة كركوك لعثرنا على مواقع خلابة تأسر النظر الى أحلام بعيدة يختلط فيها الماضي بالحاضر، فمن موقع «بردة بلكا» الأثري والذي وجدت فيه ذات يوم مضى نماذج من العصور الحجرية للإنسان.

 السليمانية جمال التراث الأصيل

ونخرج من ذلك الموقع والطبيعة الخلابة الى مدينة السليمانية، التي تبقى خضّراء طيلة ايام السنة، وزادت في جمال مرافقها الأزياء الشعبية التي ما زال أهل هذه المدينة يتمسّكون بها، هي الأزياء الكردية ذات الألوان الزاهية المأخوذة من الوان الطبيعة.

وبين الطبيعة واللون الزاهي للملابس كانت كلّ زوايا مدينة السليمانية موقعاً سياحياً من دون منافس، ويمكن لأيّ سائح ان يفترش أيّ بقعة في تلك الارض ليستمتع بكلّ الأشياء التي يراها، فهي فعلاً مدينة الماء والهواء والوجه الحسن، وفي مدينة السليمانية ومدينة أربيل عثر ايضاً على مواقع أثرية تعود الى أربعين ألف سنة، فمن كهف «شانيدر» في أربيل الى كهف «هزاد مرد»، تتربع الطبيعة أيضاً على كلّ المدن الشمالية من العراق على عرش الملوك في الأجواء الساحرة، والأشجار التي تتشابك في غابات متراصة، تحفّها الزهور من كلّ لون وشكل، لتغدو كعروس غادرت طفولتها نحو حياة مليئة بالمفاجآت السارة.

وكوّنت الجبال الشمالية في «سنجار وباراك وبيخال»، انشودة أخرى يصعب الحديث عنها بلا زيارة لتلك المناطق التي منحها الله بجمال لا يراود الا الحالمين بالجنان.

 المناطق الأثرية ومراقد الأولياء

الآثار في المناطق الشمالية كثيرة ومتنوّعة من نمرود الى سومر والتي أنشئت عليها أولى الحضارات في وادي الرافدين، وكوّنت مناطق الشمال من الناحية الأثرية صورة لواقع الحياة التي عاشها الإنسان على تلك الأرض الغنّاء.

لم تكن الطبيعة والآثار وحدهما من تسيدا وجه الشمال، فهناك الكثير من المراقد الدينية كمرقد النبي يونس في مدينة الموصل ومراقد عدة أولياء وأنبياء، وممرات لها تواريخ ومزارات معينة عند المسيحيين والمسلمين واليزيديين وكلّ المكونات التي سكنت هذه المناطق، وعاشت فيها على مرّ التاريخ القديم والمعاصر، وقد سجّلت ذاكرة الناس تلك الأحداث، وكذلك كتب التاريخ، وان كان لنا ان نهبط من الشمال فسوف تفاجئنا مدن الوسط ايضاً بتواريخها ومراقدها ومواقها التي لا تنسى ابداً.

 بابل مهد الحِرف والحضارات

بين بغداد ومنطقة الفرات الوسطى، تسكن كلّ حضارات الدنيا، ابتداء من بابل الى بغداد والنجف وكربلاء والديوانية، فمن مدينة الإمام علي النجف، الى مرقد الإمامين الحسين والعباس، الى المدينة التي أخذت كلّ التواريخ ومنحتها لنفسها دون منازع (بابل)، لتكون مكاناً سياحياً متميّزاً.

 الأهوار من أهمّ الموارد السياحية

 بعد زيارة للمراقد والمواقع الأثرية في بابل، علينا ان نهبط قليلا الى الجنوب من العراق، حيث الاهوار منطقة تنام على الماء، وهي مدينة تغفو على ماء ساكن هادئ يمتثل لإرادة الإنسان، وعليه مئات الزوارق الصغيرة التي تعرف في تلك المنطقة ب (الشختورة)، وعلى متن هذه الشختورة الأهوارية يمكن للسائح ان يرى كلّ ما لم يره في حياته، فبين البساطة التي يستقبله بها أهالي الاهوار الى (أكلة السياح)، التي لا يمكن لأيّ زائر الى الاهوار ان يمضي دون ان يتذوّقها وهي «خبز الرز» مع السمك على» الطابك» او ما يسمّى «تنور الصاج»، وهي قطعة حجر صغيرة من «الصاج» يوضع عليها الخبز الممسوك بالسمك الطازج، وفي الجولة أيضاً سيشاهد السائح أنواع الطيور التي تآلفت مع الإنسان وبقيت دائماً بالقرب منه لتقدّم نفسها طعاماً له في اية لحظة وبين طيور «الحبارى» كما يسمّيها أهل الجنوب العراقي. فنظرة واحدة للأهوار في العراق، تقول انّ هذا البلد له مناطق لا توجد في أيّ بقعة على الأرض وإذا تمّ استغلال هذه البقاع في الشمال والجنوب فستكون السياحة مورداً مهماً من موارده التي لا تنضب، وهذا ما أكده لنا أحد أساتذة الاقتصاد في جامعة بغداد، اذ قال «إنّ العراق ينام على كنوز طبيعية يمكن استثمارها في مجال السياحة»، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على السياحة الدينية التي يعتبر العراق البلد الوحيد الذي يضمّ كلّ المراقد الدينية لكلّ الطوائف في العالم، وهذا الأمر لا يمكن إيجاده في أيّ بلد آخر. السياحة الدينية رافدٌ مهمّ من روافد الاستثمار السياحي لو تمّ استغلاله بالشكل الصحيح مع الاستفادة من الخبرات العالمية في هذا المجال. وللوقوف على أهمّ الإجراءات التي قامت بها وزارة الثقافة العراقية في هذا المجال الحيوي، كانت لنا وقفة مع وزير الثقافة العراقي الذي قال «انّ الفرصة لم تتح للتفكير جدياً في الاهتمام بقطاع السياحة، وان خيرات البلدان الخارجية تأتي من خلال هذا القطاع إلا انّ على هيئة السياحة ان تأخذ على عاتقها هذا الدور»، واضاف: الآن ينصبّ العمل على اعادة المشاريع التي دمّرت، ومنها مشروع جزيرة الأعراس وجزيرة بغداد السياحية وبحيرة الجادرية بهدف إيجاد متنفس للمواطن العراقي في هذه الفترة، ولكن هذا الأمر لا يمنع من التفكير في مشاريع جديدة. وعن السياحة الدينية، قال وزير الثقافة: «انها بمفردها مصدر مهمّ جدا ليس للمناطق المحدودة التي تقع فيها المراقد الدينية، وانما لكل البلاد وهي جزء من عملية النهوض بقطاع السياحة، فالعراق غني بالمراقد الدينية ومن الممكن ان يتحوّل البلد الى قبلة للسياح من كلّ بقاع الارض، لكن هذا الامر يتطلب عدة عوامل منها امكانات البلد وكيفية الاستفادة من الخبرة العالمية فضلاً عن الاهتمام بالبنية التحتية كالمطارات والفنادق ووسائل النقل والطرق الحديثة، اذ انّ الحديث عن إقامة مشاريع سياحية ليس فقط الفنادق وانما بالسياح الذين يستوعبهم هذا البلد، فمثلاً السياحة في النجف تحتاج لكلّ البنية التحتية في كل جوانبها من ماء وكهرباء ووسائل النظافة وكل العوامل المساعدة الاخرى، فالسياحة لا يمكن إلا ان تكون عامة شاملة فليس من الممكن الاهتمام بالموقع دون الموضع والخدمات الاخرى للسياح.

البصرة عناق دجلة والفرات

 من شختورة الأهوار، نمضي نحو البصرة لنجد ميناء منفتحاً على العالم وهناك يكون للحياة طعم آخر، فبين طيبة البصريين الى هدهدات شط العرب، حيث عناق دجلة والفرات تطل على السائح أيضاً أغنيات بصرية ليس لها طعمٌ مشابهٌ في أيّ بقعة من الأرض ترافقها موسيقى (الخشابة) التي يتراقص عليها الشباب والشابات برقصة توحي بالفرح ومغادرة الحزن مهما كان مصدره، وهنا ما على الجميع من الحضور إلا المشاركة في هذه الرقصة التي لن تنهي الفرح في بلاد الرافدين ابداً.

العراق ينام على كنوز وآثار وحكايات تؤهّله لأن يكون البلد الأول في السياحة العالمية ومزاراً لمن يبحث في أصول التاريخ الإنساني ولمن يريد التمتع بالطبيعة الخلابة اذا ما استبعدنا كل الاحداث الدامية التي جرت على هذه الأرض، وربما غيّرت بعض معالمها. ولكن هذا الأمر استبعده عالم الآثار العراقي د. خالد الفتيان والاستاذ في كلية الآداب بجامعة بغداد، اذ قال: «انّ البلدان التي تمتلك حضارة مثل العراق لا يمكن ان تغيّر معالمها الثرية كلّ الأحداث التي مرت، على الرغم من ان الآلة العسكرية ربما تحدث اضراراً في البنية التحتية للآثار، لكنها لا تلغيها ابداً، فهناك الكثير من الشواهد التي تدلّ على عمق حضارة وادي الرافدين. وحول الموارد التي يمكن للسياحة في العراق ان تقدّمها، قال وزير الثقافة «انّ السياحة في العراق يمكن ان تكون الصناعة الثانية في العراق بعد صناعة النفط وقد دعونا الى ذلك من خلال الندوات التي أقامتها الوزارة، وقلنا وسنبقى نقول اننا بحاجة الى بناء حركة سياحية على أساس تنافس السياحة العالمية، وهنا تكمن الاستفادة من الخبرات العالمية ومن دول وشركات ومنظمات، فضلاً عن اجتذاب رأس المال العالمي لغرض الاستثمار. المواقع في العراق كثيرة، ولكن يبدو أنّ السائح تعب من التجوال، وعلينا ان نعود به نحو المكان الذي سينام ويحلم فيه برحلة جديدة الى بلاد الرافدين.

التي تبدأ بالسياحة في العراق، بلد حضارة السبع آلاف سنة

بآثارها ومتاحفها وأماكنها السياحية الدينية، سياحة الاثار وسياحة الحضارة القومية وسياحة المؤتمرات.

 الطبيب العراقي أهمّ طبيب في العالم لكن الاجهزة والمستشفيات غير مهيأة.

 ذي قار… هل ستكون قبلة العالم؟

مدير مفتشية آثار ذي قار الأستاذ عامر عبد الرزاق، وزارة الحج المسيحي في الفاتيكان أعلنت عن إكمالها كافة الاستعدادات لتفويج ١١ ألف حاج مسيحي شهرياً الى ذي قار وهو ما يستلزم إنشاء فنادق سياحية جديدة في المحافظة لأن المدينة مؤهلة لتكون قبلة للعالم.

 الفنادق الـ ٦ في المحافظة لن تتسع لأعداد السائحين.

المحافظة مقبلة على فرصة ذهبية لاستثمار هذه السياحة بمجيء آلاف السياح بعد ان تحوّلت السياحة في العالم إلى مصدر اقتصادي مهم.

المحافظة سابقاً كانت تشهد وصول وفد واحد سنوياً، بينما حالياً يصل عدد الوفود إلى ٦ في اليوم الواحد وأنّ الفنادق محجوزة بالكامل.

 ـ اليونسكو اعلنت وجود 120  دولة يعتمد اقتصادها على السياحة،

ـ حقائق عظيمة عن تاريخ العراق قد تسمعها لأول مرة،

 وأول ملكة في التاريخ هي الملكه السومرية «كوبابا» 2500 سنه قبل الميلاد،

أول برج ناطحة سحاب في التاريخ هو برج بابل، وأول مشرع للقوانين والحقوق والدستور في التاريخ هو الملك السومري اورنمو2100 سنه قبل الميلاد، وأول لغة في التاريخ، هي اللغة السومريه المسمارية ومنها تمّ تأسيس القراءة والكتابة 4000 سنه قبل الميلاد،

اول عملة اقتصادية في التاريخ هي عملة «الشيكل» السومرية،

اول إمبراطور بالتاريخ هو الإمبراطور سرجون الأكادي،

اول مقبرة في التاريخ هي مقبرة أور الملكية الاثرية في جنوب العراق 3600 سنه قبل الميلاد،

اول آلة موسيقية عرفها العالم والتاريخ وهي «القيثارة» السومرية في العراق قبل 5000 سنة،

اول مكتبة في التاريخ هي مكتبة الإمبراطور الآشوري «آشور بانيبال»،

اقدم مدينة حضارية في التاريخ هي مدينة بابل، وهي المدينة الوحيدة التي ذكرت بثلاث كتب مقدسة وبابل تعني بوابة الآلهة، التي اسّسها نبي الله «مهلائيل»، حفيذ آدم أبو البشر، والتي ولد فيها أبو الأنبياء ابراهيم ومنقذ الكائنات نوح وأول من خط بالقلم إدريس،

أول من استخدم جلد الماعز للغوص تحت الماء وايضا للعوام فوق الماء هم الجيش الآشوري في بلاد الرافدين قبل 3000 سنة.

أختتم مقالي هذا بجزء من قصيدتي :

انت العراق فسبحان الذي وهبا

ارض تفيض رجالا تصنع العجبا

ارض العراقة والأعراق جوهرها

يحيي صميم الأماني بعدما استلبا

ارض الوفاء بلادي رغم شدتها

تعطي وتمنع لا عجبا ولا رهبا.

*روائية وكاتبة وشاعرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى