نقاط على الحروف

مجلس النواب بين أولويّات الناس والأجندات السياسيّة الخاصة

 ناصر قنديل

– خلال أيام سيصبح البلد وفقاً للدستور في عهدة مجلس نيابي جديد، يتشكل القرار فيه من سبع كتل كبرى، واحدة من 30 نائباً يمثلها ثنائي حركة أمل وحزب الله، وثانية من 20 نائباً يمثلها التيار الوطني الحر، وثالثة من 20 نائباً تمثلها القوات اللبنانيّة، ورابعة من 15 نائباً يمثلها الحزب التقدمي الاشتراكي ونواب متحدّرين من تيار المستقبل، وخامسة من 15 نائباً يمثلها نواب جاؤوا تحت شعار التغيير من نواب سابقين وجدد مستقلين أو منتمين لجمعيّات المجتمع المدني، وسادسة قوامها بين 8 و10 نواب تقريباً من الكتائب ونواب سابقين من شخصيات 14 آذار، وكتلة سابعة بين 8 و12 نائباً تقريباً من تيار المردة وجمعية المشاريع ونواب سابقين وشخصيات تنتمي لخط 8 آذار، وعملياً سيكون موقع الكتلتين الأخيرتين قريباً من موقع الكتلتين الأولى والثانية، بحيث يصير الأمر بين قوى 8 المجدّدة بـ 40 نائباً و14 المجدّدة بـ 30 نائباً، والتيار بـ 20، والتغييريين والوسط بقيادة وليد جنبلاط مع 15 نائباً لكل منهم.

– ثمّة خياران ينتظران المجلس الجديد لتحديد وجهة تعامله المقبلة، ووفقاً للأرقام والأحجام، لا فرصة لتشكيل أغلبية إذا انضم نواب الوسط والتغيير لقوى 14 آذار، لأن المجموع سيكون قرابة 60 نائباً، أو أقل، علماً أن كل المؤشرات تقول باستحالة حدوث هذا الانضمام، فيما يبدو محسوماً استحالة انضمام التيار الوطني الحر إلى هذا الخيار، فيبقى الخياران، بين تشكيل أغلبية تضمّ 40 نائباً لقوى 8 آذار، والتيار الوطني الحر بـ 20 نائباً، وكتلتي الوسط والتغييريين بمجموع 30 نائباً، والخيار الثاني هو أن تنضم كتلة 14 آذار لهذا التكتل. ولدى التدقيق في الملفات التي تشكل أولويات كل من الأطراف يبدو أن هناك سبب استحالة واحد يواجه الخيارين، وهو أن أولويات كل من المكوّنات اللازمة لأي من الخيارين تجعل فرص التلاقي ضئيلة، فأولوية كل من قوى الثامن والرابع عشر من آذار تتمحور بالتضاد حول النظر لسلاح المقاومة ومكانته المحوريّة في خطاب كل منهما توضح ذلك، والتغييريون يدخلون بسقوف عالية تجعل من الصعب عليهم الانخراط بتفاهمات مع كتل تنتمي للمجلس السابق، إلا في التعاطي التشريعي بالمفرق، والتيار الوطني الحر حريص على التمايز عن قوى 8 آذار وتظهير عدم تحالفه معها، وقوى الوسط ستنتظر بقيادة جنبلاط لرؤية اتجاه الرياح الداخليّة والخارجيّة.

– أولويّات الناس التي تتركز على عناوين معيشية، يختصرها للفترة القريبة جداً، تحسين تغذية الكهرباء، وتثبيت سعر صرف الدولار، وتأمين الخبز والمحروقات، والحفاظ على الودائع والذهب، تفترض لمقاربتها بطريقة تؤدي الى نتائج ملموسة في حياة اللبنانيين، أن يضع الجميع أولويّاته الخاصة، ومواقفه المسبقة، وعداواته، وثوريته، وسياديته، في دائرة تظهر خصوصيته في الخطاب الإعلامي، دون أن تتحول الى مانع يحول دون توافق المجلس النيابي على التحوّل الى ورشة عمل مفتوحة، حتى تتم صياغة مقاربات تتيح بلورة خطة لضمان تحقيق ما يمكن وصفه بوقف الانهيار، بما في ذلك ما يتصل بتسمية رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة، أو التوافق على الحفاظ على حكومة تصريف الأعمال، ودعمها من جهة، وتقييدها بخطة مجلسيّة تحاكي أولويات اللبنانيين من جهة موازية، حتى يحين موعد الاستحقاق الدستوريّ الأبرز الذي ينتظر المجلس الجديد بعد شهور قليلة، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، تبدأ معه مرحلة جديدة كلياً.

– حتى الآن تبدو الجهة الوحيدة المنفتحة على فكرة البحث عن تسويات، تضع أولويات الناس موضوعاً لتفاهمات تربط النزاع على قضايا الخلاف، هي قوى 8 آذار، المكوّنة من 40 نائباً، دون التيار الوطني الحرّ، فيما يبدو كل الآخرين محكوم بسقف خطابه قبل الانتخابات، كما تشير التصريحات المتعلّقة بكيفية التعامل مع انتخاب رئيس لمجلس النواب، وهو استحقاق توافقيّ طائفيّ نيابيّ، يتمّ بالتزامن والتوازي مع حصول الكتل النيابيّة، وفقاً لأحجامها وتركيبتها، مواقع تتناسب مع هويات طائفية وأحجام نيابية، أولها نائب رئيس المجلس الذي تتقدّم لنيله عادة كتلة مسيحية كبرى، ورؤساء لجان مؤثرة كلجنة الإدارة والعدل ولجنة المال والموازنة، ولجنة الشؤون الخارجيّة.

– الخيار الخطر الأرجح، هو أن تتحوّل الساحة النيابية الى مجرد منصة إعلاميّة تواصل عبرها الكتل شدّ العصب السياسي او التغييري او السيادي او الطائفي او الإصلاحي، وفقاً لما يعتقد كل طرف أنه يحفظ له شعبيته، دون أن ينتبه أحد إلى أنه قبل أن يحل موعد انتخابات رئاسة الجمهورية، سيكون لبنان قد فقد أي أمل بتحسين الكهرباء وتثبيت سعر الصرف وتأمين الخبز والمحروقات، ويصبح فيها الجميع محاصراً بـ «كلن يعني كلن»، الذي استعمله النواب الجدد بحق النواب القدامى، ويكون الجواب الذي كان يقدّمه القدامى دون أن يشفع لهم، وهو «ما خلّونا». فليستعد النواب، قديمهم وجديدهم، لجولة مواجهة يتلقون فيها الرشق بالبيض والحجارة، ما لم ينجحوا بالترفع عن الأجندات الخاصة وتصفية الحسابات، وما لم ينتبهوا إلى أن آخر هم الناس ما يقوله هؤلاء عن أسبابهم، ما دامت أولويّاتهم ستسبق أولويات الناس التي انتخبتهم، وتعهّدوا بأن تكون أولويّاتهم.

– اذا سارت الأمور وفق هذا المحظور، فسنذهب الى الفراغ والفوضى، وربما الفتن، وربما تقسيم الأمر الواقع، إلا إذا جاء الخارج بوصاية جديدة تنتجها تسوية تشبه تسوية الطائف، يرقص على أنغامها كل السياديين، كل من موقعه، بعد إضاعة فرصة تسوية سياديّة، يُكتب عليها «صُنع في لبنان».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى