بغداد تودع الشاعر مظفر النواب صاحب المدرسة الشعريّة المتفرّدة وكلمات الرثاء تتوالى على المستوى الرسميّ والثقافيّ
شهدت العاصمة العراقية بغداد أول من أمس، مراسم تشييع رسمي للشاعر مظفر النواب الذي توفي في الإمارات العربية المتحدة.
وحسب وكالة الأنباء العراقية “واع” وصل جثمان الشاعر النواب صباح السبت إلى مطار بغداد الدولي على متن طائرة رئاسية ونقل إلى مقر اتحاد الأدباء، حيث تمت مراسم التشييع بحضور شخصيات حكومية وثقافية وشعبية.
ومن المقرر أن يتم دفن جثمان الشاعر النواب في النجف بناء على وصيته حسبما أعلن وزير الثقافة العراقي حسن ناظم.
يذكر أن النواب تولد عام 1934 في الكرخ في العاصمة بغداد.. درس في جامعة بغداد وانخرط في العمل السياسي وتنقل بين عواصم عدة منها دمشق وبيروت وبغداد ومدن أوروبية أخرى.
وكان الراحل أحد أشهر شعراء العراق في العصر الحديث وقف في قصائده الشعبية والفصيحة إلى جانب الفقراء والكادحين والقضايا العربية.
وتوالت كلمات الرثاء بوفاة النواب، حيث رثاه وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، ببيان جاء فيه: “سبقته عروبته إلى موته، حين رأته مشرداً ما بين جرح العراق وجرح فلسطين، فلم تبنِ له سوى خيمة منفى. سبقته قصائده إلى رثائه، حين راودته لغته عن ثورة في وجوه الطغاة، فبقيت سحناتهم فوق عروشها، سبقته بغداد إلى غربتِه، حين تركته متعباً منه ولم تقو على حمله.
مواجع الفقراء من الماء إلى الماء، ونخيل العراق وياسمين دمشق ولآلئ الخليج، وحدها لم تسبقه، بل أقامت معه في سفر بين حلم وألم، حتى سكتت محبرته النازفة غضباً.
مظفر النواب، لك السلام من كل قصيدة كتبتها، وكل منبر اعتليته، وكل وطن عربيّ نبت بك نسائمه المحبوسة في صدور أشجارها، وكل حق إنساني انتفضت له.
مظفر النواب، لك الحياة في ملكوت الشعر».
كما نعته دار الأمير في بيروت، وجاء في بيان النعي: “مظفر النواب صاحب المدرسة الشعرية المتفرّدة والجارحة التي امتدت لأكثر من نصف قرن؛ غريب بغداد، عاشق القدس، وحبيب بيروت، ونديم تل الزعتر، وصاحب “الوتريات الليلية”، وحادي “للريل وحمد” لم يخسره العالم العربيّ فحسب، بل خسره كل أحرار العالم، لما لهذه الشخصية من بصمة إبداعيّة حاكت الشعوب، وعاشت همها، ودافعت عن قضايا التحرر، سيما نصرة القضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، فكان الشاعر الثائر، والمثقف الهادر، والمنفي المهاجر من بلد إلى بلد، ولكنه رغم النفي والسجن والملاحقة؛ فإنه لم يساوم ولم يهادن، بل زاد منعة وشكيمة وتحديًا للظلم. ولا نبالغ إن قلنا، إننا بفقدنا لمظفر النواب فإننا فقدنا القيمة الشعرية لأدب الرفض في العصر الحديث، ولعله آخر الشعراء المناضلين المسؤولين الذين سموا الأمور والوقائع والشخوص بأسمائها، وما يحزننا أن لا وريث لهذه المدرسة الشعرية حتى الساعة”.
وتابع: “رحم الله شاعرنا الكبير، وأستاذنا القدير مظفر النواب في الخالدين، والذي سيبقى ويستمرّ أيقونة الثورة الشاعرة والرفض المشتعل، كما بقي واستمر المتنبي أيقونة العزة والفخر.. وأدق تعبير عنه، ووصف له، هو ما كتبه بنفسه عن نفسه:
سبحانك.. كل الأشياء رضيت سوى الذل وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان ورضيت نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان وتعود إليها.. وأنا ما زلت أطير.. فهذا الوطن الممتدّ من البحر إلى البحر سجون متلاصقة سجان يمسك سجاناً”.
وأصدر الحرس القومي العربي بيان نعي، وقال: “تفقد الضاد شاعرا ثوريا احتضن في ثنايا كلماته وجع شعبنا العربي ورفع مستوى النخوة في وجه الرجعية العربية التي باعت فلسطين بحروف الذل و الاستكانة”.
اضاف: “مظفرالنواب حفر في وجداننا كلمات ثورية تحطم تلك القمم، وشحذ سيف كلماته علناً، لعل أهل الخنوع يعيدون شجاعتهم كي لا تصدأ سيوفهم في غمدها، إلا أولئك المقاومين الذين يتطلعون إلى هزيمة الصهاينة، ولعل قصيدته (آر بي جي) تبقى شاهدة، وصوته الخالد يتردّد في سماء فضائنا شاهداً”.
تابع: “إنه صدى صوت خالد أكر الذي ما أحست به غير زيتونة في الجليل يأتيها في الزمن الصعب عندما كان الملوك والرؤساء ينامون على وسائد من خيانة”.
وأكد الحرس القومي العربي “يبقى حيا في ذاكرة الشعب من زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق، لهذا لا يمضي إلى العدم، فهو حي في ذهن كل من ترنم بقصائده الخالدات، وهذا هو الوطن العربي الذي طالما تغنى باسمه أينما حل، وأفنى عمره لإعلاء مكانته، يكتسيه الحزن وهو يودعه الى مثواه الأخير مثقلا بأسى خسارة ابن بار ومبدع لا يتكرر، إنه مظفر النواب صوت حيدر العاملي، وبلال فحص، وجول جمال، وباسل الأعرج، ومحمد براهمي، إنه صدى صوت جمال عبد الناصر يصدح كرامة عربية وعنفواناً عربياً قبضته حرية واشتراكية ووحدة”.
وعاهد أنه “يبقى أميناً على من جعلوا من لغة الضاد فكرة ثم قضية نسير ونناضل من أجلها في سبيل عزة وكرامة أمتنا، إننا في الحرس القومي العربي نعاهدك أن لا نتحجج بالبرد وحر الصيف وأن لا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد سيوفنا، إنما نمتشق سلاح الفكر والوعي وبنادقنا تزغرد في فلسطين حتى تحريرها”.
وختم: “نم قرير العين يا مظفر، إن شعلتنا العربية وقوميتنا العربية منقولة من جيل إلى جيل، نحرسها ولا نتعب يا صوت لغتنا، لروح المبدع الفذ الخلود، لذكراه المجد ولأسرته ومحبيه الصبر والسلوان”.