أولى

الأمة العربيّة ومواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت!

 د. محمد سيد أحمد

 ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن الحراك الشعبي العربي الذي انطلق في نهاية العام 2010 في تونس وبداية العام 2011 في مصر ثم تبعه في ليبيا واليمن وسورية، وكانت له مبرراته في بعض الدول ولم يكن له أي مبرر في دول أخرى، وكأنها عدوى انتشرت كوباء كورونا، وبالطبع لم يكن مسمّى الربيع العربي بريئاً لذلك أطلقنا عليه مبكراً الربيع العبري، لأننا أدركنا أن المسمى جاء جاهزاً من خارج مجتمعاتنا كالوجبات السريعة التي تعدها المطاعم الأميركية العابرة للقارات والمحيطات والمنتشرة في مجتمعاتنا العربية كالوباء، رغم أضرارها على صحة شعوبنا.

 وبما أننا نؤمن بأن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها فلا يمكن أن نعتبر ما حدث داخل مجتمعاتنا العربية ربيعاً عربياً لشعوبنا الثائرة من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بل النتيجة الفعلية هي مزيد من المعاناة والقهر والظلم الاجتماعي للغالبية العظمى ممن خرجوا مطالبين بإسقاط النظام في بعض الدول التي عانت في ظل أنظمة حكم تابعة، والنتيجة الفعلية والحقيقة الوحيدة الدامغة هي أن الصراع العربي – الصهيوني قد تحوّل إلى صراع عربي – عربي ليس على مستوى الأقطار العربية وبعضها البعض بل على مستوى كل قطر عربي. ويمكن التأكيد بما لا يدع مجالاً للشك أن القضية الفلسطينية التي كانت تجد لها ظهيراً اجتماعياً داخل العديد من الدول العربية التي انطلق فيها الربيع المزعوم قد انتهت، حيث يقف العدو الصهيوني اليوم متفرّجاً على ما يحدث من خراب داخل مجتمعاتنا العربية، لذلك فالربيع ربيع عبري بامتياز لأن نتائجه كلها قد صبّت في صالح العدو الصهيوني.

وبتسليمنا أن هناك مخططاً أميركياً – صهيونياً كان جاهزاً ومعداً مسبقاً لتقسيم وتفتيت الوطن العربي، تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، استغل الحراك الشعبي العفوي إلى جانب الأجندات الداخلية التي تعمل لصالحه لتأجيج الصراع الداخلي، لذلك أكدنا أيضاً ومنذ البداية أن هذا المشروع التقسيميّ والتفتيتيّ لديه أدوات في الداخل العربي لإنجاز مشروعه وإحدى أهم هذه الأدوات هي الجنرال فتنة طائفية وعرقية ومذهبية بل وفكرية وسياسية وطبقية، وهي من الأدوات الفاعلة والتي تؤدي إلى تقسيم وتفتيت النسيج الوطني الاجتماعي بشكل تصعب معه إعادته إلى سيرته الأولى، فهي نيران سريعة الاشتعال يصعب إخمادها بسهولة.

وبالطبع لكل مجتمع عربيّ وصلت إليه المؤامرة الأميركية – الصهيونية خصوصيته وتركيبته الديموغرافية الفريدة وبالطبع اقتصر المشروع التقسيميّ في تونس على الخلاف الفكري والسياسي والطبقي، في حين اعتمد في مصر إلى جانب الخلاف الفكري والسياسي والطبقي على الورقة الطائفيّة بين المسلمين والمسيحيين لشق النسيج الوطني الواحد المتماسك والمتعايش تاريخياً، وفي ليبيا اعتمد على الورقة القبلية والعشائرية لتأجيج الصراع وتقسيم وتفتيت النسيج الوطني الاجتماعي، وهي الورقة نفسها التي استخدمها في اليمن بجوار الورقة المذهبية بين سنة وشيعة إلى جانب الخلافات الفكرية والسياسية والطبقية. وبالطبع تأتي سورية بتركيبتها ونسيجها الاجتماعي المعقد لتبرز الورقة الطائفية والمذهبية والعرقية في محاولة لضرب نسيجها المتماسك والمتعايش تاريخياً. وبالطبع لا يمكن أن ننسى كيف قام هذا المشروع بتجريب هذه الأداة الفاعلة لضرب النسيج الوطني الاجتماعي من قبل في لبنان والصومال والسودان والعراق.

وإذا كان مشروع الوحدة الوطنية والقومية هو المشروع المضاد للمشروع التقسيمي والتفتيتي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وكيانها الصهيوني ضد مجتمعاتنا العربية، فإنه من الضروري أن نبتدع أدوات وآليات للمواجهة. وهنا تبرز المصالحة الوطنية كإحد أهم الأدوات والآليات الفاعلة لمواجهة وترميم ما أفسده الربيع العبري على مستوى الوحدة الوطنية، وبالطبع لكل مجتمع عربي خصوصيته البنائية والتاريخية وتركيبته الديموغرافية الفريدة لذلك لا بد أن تأخذ المصالحة الوطنية شكلاً مختلفاً من مجتمع عربي إلى آخر فنموذج المصالحة في تونس، غيره في مصر، غيره في ليبيا، غيره في اليمن، غيره في سورية، وبالطبع غيره في لبنان والصومال والسودان والعراق.

 إذن المصالحة الوطنية ضرورة حتمية لمواجهة المشروع التقسيمي والتفتيتي من أجل لم شمل النسيج الوطني المتهتك بفعل المؤامرة الأميركية – الصهيونية، لكننا نؤكد أن هذه المصالحة الوطنية لا يمكن أن تشمل من تلطخت أيديهم بالدماء، وبعد ترميم ما أفسده الربيع العبري يمكننا أن نبدأ فوراً في البحث عن أدوات وآليات جديدة لتحقيق حلم الوحدة العربية الوسيلة الوحيدة القادرة على المواجهة والصمود في عصر التكتلات الدولية الكبرى التي تحاك فيه المؤامرات ضد مجتمعاتنا المقسمة والمفتتة. اللهم بلغت اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى