أولى

انهيار أوكرانيا وشهور أمام أوروبا

خلال مئة يوم من حرب أوكرانيا اختبر الغرب وفي مقدمته واشنطن معادلة الرهان المزدوج، على إفشال الحملة العسكرية الروسية بواسطة الجيش الأوكراني ودعمه بالمال والسلاح والذخائر، وحرمان روسيا من قدرة مواصلة الحرب عبر إنهاك اقتصادها بالعقوبات وما يفترض أن ينجم عنها من انهيار مالي وإفلاس مصارف وشركات وتهافت على سحب الودائع وانهيار في سعر الصرف.

الحصيلة تقول بفشل الرهان الغربي فشلاً ذريعاً. فقد استنفد السلاح الغربي قدرته على مد الجيش الأوكراني بعناصر الصمود والقوة، وخسر هذا الجيش بنيته المقاتلة الرئيسية في معارك المئة يوم، وبدأت علامات التفكك والإنهاك والانهيار تظهر في معارك الأيام الأخيرة التي قال الرئيس الأوكراني إن الخسائر فيها كانت مروّعة، وصار الحفاظ على نوع من التوازن المطلوب لإطالة أمد الحرب متوقفاً على إدخال معادلات جديدة عسكرياً على مسار الحرب يستحيل تحقيقها دون تورط مباشر لحلف الناتو، وهو ما يعني باعتراف الناتو، واستعداد علني من موسكو، الانخراط في حرب نووية.

على المستوى الاقتصادي يعترف الغرب بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح بتحويل التحدي المالي والاقتصادي وبأن نهضة اقتصادية وازدهاراً مالياً غير مسبوقين تشهدهما روسيا منذ الحرب الأوكرانية، وأن سعر صرف الروبل مقابل الدولار، هو مرآة هذه الحالة، فبعدما نجحت العقوبات في ثلاثة أيام بجعل الروبل يخسر نصف قيمته فيبلغ 150 روبلاً لكل دولار واحد بدلاً من 79 روبل للدولار عشية الحرب، نجح بوتين بفرض معادلة بيع الغاز والنفط والسداد بالروبل بفرض سعر الـ 58 روبلاً للدولار أي بتحسن 50% عن عشية الحرب. وتشهد موسكو كل يوم انطلاقة لمشاريع اقتصادية جديدة بآلاف فرص العمل، وتشغيل روسي للمرافق التي غادرتها الشركات الأجنبية كترجمة للعقوبات، وتتجه العلاقات الروسية الصينية والروسية الهندية لتحقيق تحوّل لا تعود فيه أوروبا وجهة محبّذة للغاز والنفط الروسيين.

أمام أوروبا شهور قليلة، كما يقول رئيس وزراء السويد أمام الأمين العام لحلف الناتو، فالمال ينفد ولا قدرة على مواصلة تزويد أوكرانيا بالمزيد، والأزمات الاقتصادية والمالية تتحوّل الى اضطرابات اجتماعية تدق أبواب الدول الأوروبية، ولا تبدو أميركا بعيدة عن هذا المشهد نفسه، حيث فاتورة الاستهلاك المنزلية زادت بين 50% و100%، وحيث أسعار الطاقة في جنون أسعار، ولا أفق للسيطرة عليها في المدى المنظور، والبدائل المفترضة للغاز والنفط من روسيا الى أوروبا قبل نهاية العام تبدو حلماً صعب التحقيق.

جواب أمين عام الناتو على رئيس وزراء السويد بالقول إن وقف الحرب له طريقان، سلام يقرّره بوتين او استسلام يقرره زيلينسكي، له معانٍ خطيرة، يضيء عليها الكلام المتزايد عن تنازلات مؤلمة لا بد من تقديمها من الجانب الأوكراني للجانب الروسي، وصولاً للكلام المضخم عن أزمات الغذاء وخطر المجاعة، وتفشي الأوبئة لتبرير جعل وقف الحرب في مرتبة أعلى من معادلة مَن ربحها ومَن خسرها.

العالم بعد حرب أوكرانيا هو غيره قبلها بكل تأكيد، وروسيا المنتصرة ستكتب معادلات العالم الجديد مهما كانت محاولات تمويه الخسارة الغربيّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى