أخيرة

الإنسان وُجد نوعاً ذكراً وأنثى وليس فردا مستقلاً بل متحد اجتماعيّ

} يوسف المسمار*

النتيجة التي يمكن استخلاصها من قراءتنا ودراستنا لكتاب «نشوء الأمم» تأليف العالم الاجتماعي والفيلسوف السوري أنطون سعاده هي أن الإنسان وجد بشكل نوع من (ذكر وأنثى)، وليس فرداً ذكراً، ولا فرداً أنثى متحدّراً من اي نوع من القرود، أو الحيوانات أو الحشرات أو الأسماك أو الطيور أو النباتات أو أي نوع من الجراثيم المرئيّة أو غير المرئيّة.

وهذا ما يتفق ويجد سنداً له في الآية القرآنيّة التي تقول:
«يا أيّها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم قبائل وشعوباً لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

ولم تقل انا خلقناكم من ذكر ومن الذكر استخرجنا الأنثى. فوجود أنواع الحياة كلها وجدت وجودأ مركباً تفاعلياً من ذكرٍ وأنثى. وهذا الوجود التفاعلي المركب هو خلية متحد الجماعة. فاذا جزئت هذه الخلية انفجر الاجتماع الإنساني وتدمّر وانعدمت الشعوب والأمم. ففي الخلية الأنثوية – الذكورية على الأرض بداية الانوجاد البشريّ، وفي البيئة الطبيعيّة التي تتفاعل معها الخلايا الانثوية – الذكورية لا في خارجها تتحقق حياة الجماعة في المجتمع، وفي استمرار تفاعل الجماعة الذكورية – الانثوية تولد حضارة الإنسان – المجتمع وتاريخه ويكون نشوء الأمم لتتلاقى وتتعارف وتتعاون في ما بينها وتهجر حالة الانقراض.

 لقد وُجد الإنسان على كوكب الأرض نوعاً كسائر الأنواع. ولذلك يصح أن نؤكد بانوجاد الإنسان – النوع على الأرض كما انوجدت سائر الأنواع الأخرى وانتشرت في كل بقاع الأرض. كما يمكن أن نطلق على هذا الإنسان – النوع: النوع الإنسانيّ كما نقول النوع النباتيّ أو النوع الحيوانيّ أو النوع القرديّ. ونشوء الإنسان – النوع ونموّه كان نشوءاً ونمواً بالتطور وليس دفعة واحدة كمخلوق فردي ذكر أو كمخلوق فردي أنثى مباشر ومستقلّ عن غيره من الأنواع.

أنطون سعاده عالم اجتماعيّ وفيلسوف

 وإذا كان العلم قد توفق الى اكتشاف ناموس التطور، فإن الدين أو التفكير الفلسفي التأملي قد سبق العلم في اكتشاف ناموس آخر بالتأمل هو ناموس التأمل العقلي الذي يعني أن «لا شيء يمكن حدوثه من لا شيء». وهذا ما أشار إليه سعاده كعالم وفيلسوف في كتابه: (الصراع الفكريّ في الأدب السوريّ) قائلاً:

«ولكننا نتصوّر، بموجب مبدأ الاستمرار والاطراد الفلسفي، الذي أضعه نصب عيني في فهمي الوجود الإنساني، أنه لا بدّ من أن يكون ذا اتصالٍ وثيق بعالم نظرتنا الجديدة وحقائقه وقضاياه، كما أننا نرى، بموجب هذه النظرة، أن عالمها ليس شيئاً حادثاً من غير أصل، بل شيء غير ممكن بدون أصلٍ جوهريّ تتصل حقائقه بحقائقه، فتكون الحقائق الجديدة صادرة عن الحقائق الأصلية القديمة بفهمٍ جديدٍ للحياة وقضاياها، والكون وإمكانياته، والفن ومراميه».

بعد كل ما تقدّم، نكتشف أن أنطون سعاده بالإضافة الى كونه عالم اجتماع كبيراً، هو أيضاً فيلسوف كبير ولكن نظرته الفلسفية تستند الى العلم أساساً وتقوم عليه وليس فقط على التأمل. إنها فلسفة عملية واقعية علمية وتأمليتها قامت على الواقع والعلم فكانت عملية. والعلم بطبيعته ينطلق ويبدأ من فهم الواقع والحقائق المادية – الروحية أو الروحية – المادية دون تجزئة أي أن حقائق الحياة لا تقبل التجزئة. فكل ما هو إنساني مادي هو أيضاً إنساني روحي. وكل الحقائق الإنسانية الروحية هي في الوقت نفسه حقائق إنسانية مادية. وهذه الحقائق المادية – الروحية الإنسانية هي أساس التطور والنموّ والتقدم وارتقاء الإنسانيّة.

وقد أطلق أنطون سعاده على فلسفته وصف الفلسفة المدرحية الإنسانية «موحّدأ بين المادة والروح في تفاعل دائم بحيث تفقد المادة الإنسانية قيمتها بانفصالها عن الروح الإنسانية، وتخسر الروح الإنسانية وجودها الإنساني بانفصالها عن المادة الإنسانية. وكل تجزئة أو ثنائية او تعددية او انفصال بين الوحدة الإنسانية المادية – الروحية يلغي الوحدة التفاعلية الإنسانية الواحدة التي أوجدتها القوة الخالقة.

*باحث وشاعر قوميّ مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى