أخيرة

العالم الجديد الصالح خلاصة تفاعل الحضارات الراقية

} يوسف المسمار*

مع أن الحقيقة  القيمة هي واحدة لا ثنائيّة فيها ولا تعدد، ومع أنها في المطاف الأخير تمثل التوافق الطبيعي مع واقع الحياة الإنسانية المادية – الروحية في نشوئها وتطورها وارتقائها، لا في تجمّدها وانحطاطها وتقهقرها، ولا يجوز أن تكون غير ذلك واقعاً وتكويناً، فقد تباينت بصددها النظرات، واختلفت في تفسيرها النظرات على مرور الزمان ومسارح المكان، ومستويات الثقافات، وتعدد المفاهيم حتى ظهرت تحديدات وتعريفات متضاربة ومتعاكسة ومتناقضة تتصارع وتتنازع في مذاهب شتى، وكل مذهب فكري يدّعي لنفسه صحة وصوابية اعتقاده، أو كل جماعة تحتكر الصواب لنفسها في التفسير والشرح والتأويل ومواجهة المشاكل الإنسانية مما سبّب وأدّى الى فوضى في المفاهيم، وبلبلة في تعيين الحقائق.

إن حقيقة الإنسان هي واحدة في كل مكان وزمان وفي جميع الشعوب، أمّا المختلفون في فهم هذه الحقيقة فإنّهم كثر. وكثرة المختلفين في مستويات معارفهم وعلومهم ومفاهيمهم أدّت وما تزال تؤدّي الى تعدد التعريفات وتضارب المفاهيم.

والحقيقة أن هذا التضارب والاختلاف هو شيء طبيعي لا يجوز التنكّر له. وبتقديرنا، فإن هذه الحالة من فوضى المفاهيم وتصادمها وصراع الأفكار سوف تستمرّ كما كانت في الماضي الى أمد بعيد ليس له أفق منظور إلى أن يستكمل التفاعل مداه في قلب كل مجتمع، والى أن يتم فعل الدورة الحياتية التامة في وحدة الأمة وتكتسب شخصيتها الاجتماعية بيقظة وجدانها القومي الاجتماعي العام الذي يتجلى في ثقة الجماعة بنفسها وفي وحدة مصلحتها، ووحدة إرادتها، ووحدة النظر إلى مثلها العليا، ووحدة الصراع من أجل تقدّمها وارتقائها على الصعيد القومي الاجتماعي الإنساني. وسوف يستمرّ الصراع أيضاً الى ان ينتهي تصادم مصالح الأمم في انتصار تفاعل ثقافاتها لما فيه خير الإنسانية جمعاء فتصل البشريّة بحضارات وثقافات أممها وشعوبها ومفاهيمها الروحيّة  الماديّة الى المستوى الذي يؤهلها إلى إقامة وبناء عالم جديد تتشارك وتتعاون في إشادته وترسيخ دعائمه جميع الأمم والشعوب التي نشأت وتطوّرت وتمدّنت ونهضت وارتقت على هذا الكوكب الذي نعيش عليه.

العالم الجديد خلاصة تفاعل المعارف السامية

إن قيام العالم الجديد هو نتيجة واقعية وطبيعية وعملية لتفاعل حضارات ومعارف وثقافات الأمم، ورقي صراع أفكار وخواطر عباقرتها ونوابغها، وليس نتيجة لحروب الشعوب واقتتالها وتصادم ثقافاتها وتخلف معتقداتها وطقوسها، وتخريب ودمار عمرانها.

وانطلاقاً من مسؤولية إقامة عالم حضاري جديد راقٍ تكون فيه أمتنا عنصراً أساسياً فاعلاً في تكوينه وتركيبه وقيامه ونهوضه وتقدمه. نرى أن من أولى واجباتنا أن ننهض بمسؤوليتنا، ونقوم بدورنا على أحسن ما يكون في إغناء فكر الإنسانيّة الجديدة، وإيضاح أبعاد فلسفة التفاعل الموحّد الجامع لقوى الإنسانية التي تقول بالإنسان المجتمع وليس إنسان  الفرد أو إنسان الطبقة أو إنسان الطائفة او إنسان  الفئة أو إنسان الروح أو إنسان المادة. وهي التي تعتبر أن أساس الارتقاء الإنساني هو أساس مادي  روحي أو روحي مادي أي مدرحي دون ثنائية. وتقول أيضا إن «المجتمع معرفة والمعرفة قوة».

وتعتبر أن العالم الذي ينبثق وينشأ ويتكون ويتركب من مجتمعات المعرفة ورقيها هو حتماً غير العالم الذي ينبثق وينشأ ويتكوّن من مجتمعات الجهالة والانحطاط النفسي والفكري. لأن تفاعل المعارف هو غير تصادم الجهالات. ونتاج التفاعل المعرفيّ هو غير إنتاج التصادم الجهاليّ. لقد استفحل خطر الفلسفات الجزئية المادية منها والروحية واستفحل بالتالي خطر المفاهيم والنظريات المتضاربة المنبثقة عن تلك الفلسفات الجزئيّة، وأصبحت تنذر وتهدّد بكارثة حقيقية ستكون من أعظم الكوارث إذا لم تتداركها وتقوم العقول النيّرة، والمواهب الخيّرة بمساهمة جدّية في وضع حد لخطر تلك الفلسفات والمفاهيم على حياة الأمم ومصير العالم الإنساني.

*باحث وشاعر مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى