مقالات وآراء

«الجمهورية القوية» والمواصفات من رشيد كرامي إلى ميقاتي مروراً بالحريري!

} خضر رسلان

درجت في الآونة الأخيرة مجموعة من القوى الحزبية والنيابية ومن ضمنهم حزب القوات اللبنانية وتكتل الجمهورية القوية في كلّ استحقاق سواء أكان نيابياً أو وزارياً على ترداد سيمفونية تدّعي فيها أنّ خياراتها حين أخذ قرار انتخاب أو ترشيح أحد انما يعود الى مواصفات محدّدة تتعدّى الصفات الشخصية الى البرنامج الذي على أساسه تسير به او تدعمه، دون الإفصاح بشكل صريح وواضح وجلي عن مضمون هذا البرنامج ومواصفاته.

وبالعودة الى المقابلة المتلفزة الأخيرة التي جرت مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فقد حدّد جعجع بعض المواصفات المفترض توافرها في أيّ مرشح ليسمّيه على أساسها نواب تكتل “الجمهورية القوية” منها التعهّد بإعادة القرار الاستراتيجي السيادي الى الحكومة، وعدم استخدام ملف ترسيم الحدود في سوق عكاظ.

وقبل نقاش ذلك وخاصة مظلة سوق عكاظ المميّزة التي يتظلل بها أصحاب نظرية السيادة العصرية والحديثة لا بدّ من التعريج تاريخياً على المواصفات المطلوبة ليحظى ببركة أصوات الجمهورية القوية:

1 ـ برنامج الشهيد الرئيس رشيد كرامي غير مطابق للمواصفات.

لم تكن حالات حتماً السبب الوحيد من وراء تصفية الرئيس رشيد كرامي إنما مواصفاته الشخصية وبرنامجه الوطني كانا الدافع الأبرز لاغتياله، حيث لطالما لجأ اليه رؤساء لبنان رغم علاقته المتوترة معهم، حيث عُرف عنه عدم قطع صلاته بأحد، وأنّه رجل لجميع الأزمات في أوقات الفتن الوطنية أو الاضطرابات السياسية،

 وكان من المدافعين عن القضية الفلسطينية وساهم في تأسيس جبهة الإنقاذ الوطني التي كان من أبرز أعمالها الوقوف ضدّ اتفاق 17 أيار.

في 1 حزيران 1987 وحيث أنه غير مطابق للمواصفات تمّ اغتياله بتفجير مروحية عسكرية فوق منطقة أدما وهي في طريقها إلى بيروت، اتهم سمير جعجع عام 1994 بارتكاب جريمة الاغتيال هذه، وتمّت إدانته، وحكم عليه بالإعدام ثم بالسجن المؤبّد قبل أن يطلق سراحه سنة 2005.

2 ـ المواصفات بين الاتفاق الثلاثي واتفاق الطائف:

15  كانون ثاني 1985 جرى إسقاط الاتفاق الثلاثي وتحت عنوان «المجتمع المسيحي فوق كلّ اعتبار»، وبعد خروج إيلي حبيقة من مبنى جهاز الأمن المحاصَر سُفكت دماء مئات الشباب بالرمي بالرصاص او الرمي بالبحر، وللمفارقة فإنّ فوائد ومكتسبات «المجتمع المسيحي» من الاتفاق الثلاثي تفوق بدرجات ما تحقق من خلال اتفاق الطائف الذي وافق عليه المنقلبون على الاتفاق الثلاثي وأيضاً وأيضاً عقب سقوط المئات من ضحايا حرب الإلغاء الذي يبدو وفق المواصفات المطلوبة ليس المهمّ مضمون الاتفاق بقدر أهمية من يوقع ومن بيده السلطة ومقاليد الأمور.

3 ـ مواصفات قانون الانتخابات

بعد الموافقة والمجاهرة بذلك بتأييد القانون الأرثوذكسي للانتخابات والتزامه بالتصويت له تمّ التراجع عن ذلك في ما بعد، ولم تكن أسباب التنصّل منه لخلل ما في مواصفات القانون، بل الأمر تخطى ذلك الى ما هو أخطر، فالخلل أصاب المواصفات الحديثة المتعلقة بواجبات الانصياع للإرادة الخارجية (تحديداً للمواصفات السعودية).

4 ـ الرئيس سعد الحريري وإخلاله بالمواصفات

رغم مشاركته بقوة في إصدار عفو عنه بعد حكم مبرم صادر بحقه عن أعلى سلطة قضائية في لبنان وتجييره لأصوات تيار المستقبل لحزبه في الانتخابات النيابية، فإنّ ذلك لم يشفع للرئيس سعد الحريري الذي سعى إلى تحصين السلم الأهلي والانفتاح على شركائه في الوطن في الوشاية به لدى ولاة الأمر بهدف شطبه من المعادلة السياسية نظراً لانتهاكه وإخلاله بالمواصفات، والتي وإنْ كان ظاهرها الحديث عن سلاح المقاومة التي يعرف القاصي والداني أنها خارج مدار النقاش الواقعي في ظلّ التعقيدات الإقليمية، إنما السبب الجوهري في انقلابه هو التفاهم الذي كان قائماً بين الرئيس الحريري والتيار الوطني الحر (رغم المدّ والجزر فيه)، وهذا ما يمكن ان يؤسّس في حال نجاحه الى انحسار حضور جعجع ونفوذه التي هي الغاية المرتجاة والاساس في كلّ فلسفة المواصفات.

5 ـ الرئيس نجيب ميقاتي غير مطابق

اشترط رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، تغييب حزب الله عن الحكومة المقبلة من أجل المصادقة عليها في البرلمان، مؤكداً أنه سيلتزم بمقاطعته للحكومة إذا تشكلت حكومة توافقية جديدة، وبالتالي فمن مواصفات الرئيس العتيد للحكومة يجب ان لا يكون توافقياً في بلد نظامه السياسي كله قائم على التوافقات ذات الطابع الميثاقي.

بناء على ما تقدّم فإنه يمكن الاستدلال على برنامج مواصفات كتلة الجمهورية القوية:

1 ـ السيادة: ويقصد هنا رفض التدخلات الإيرانية المزعومة في الشؤون اللبنانية، وكلّ تدخل منها يُعتبر انتهاكاً سافراً للسيادة الوطنية مع التأكيد على حق الأبوة والرعاية (المواصفات السيادية الحديثة) لسفراء الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية سواء حين يرسمون خطوط السير على المستوى السياسي والتحالفات الانتخابية او يدفعون المخصصات المالية التي هي إنما فعل أبوي وخيري لا خدش لمفهوم السيادة فيه.

2 ـ سلاح المقاومة

من أهمّ الإنجازات المرجوّة من التكتل النيابي القوي ان تصريحات نوابه العالية النبرة من المؤكد أنها السلاح الأمضى الذي سوف يردع المحتلّ عن غيّه واعتداءاته وخروقاته الجوية ولأجل ذلك وانسجاماً مع المواصفات التي يباركها الأميركيون والدول المهرولة نحو التطبيع مع الكيان “الإسرائيلي” ينبغي تسليم هذا السلاح للدولة ونطمئن اللبنانيين انّ تكتلنا القوي الذي سيردع بصوته الهدار الصهاينة أو التكفيريين إنْ أعادوا الكرة عن كلّ اعتداء يطال الأراضي والأجواء اللبنانية. وسيكون الضامن والحاسم في الاستفادة من كلّ حقولنا النفطية والغازية!

ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة، فإنه لا يحق لأية دولة أن تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر، ولأيّ سبب كان، في الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة أخرى فضلاً عن حق الدولة السيادي غير القابل للتصرف في تقرير نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي بحرية، وفى تنمية علاقاتها الدولية وفى ممارسة سيادتها الدائمة على مواردها الطبيعية وفقاً لإرادة شعبها دون تدخل أو تداخل أو تخريب أو قسر أو تهديد من الخارج بأيّ شكل من الأشكال.

بناء على ما تقدّم من المفيد لمن يرفع لواء المواصفات ليدغدغ المشاعر ان يجيب اللبنانيين عن المواصفات الذي يضعها للتعاطي مع من أشار إليهم ميثاق الأمم المتحدة في التالي:

1 ـ هل مواصفات السفراء لا سيما الأميركي والسعودي وتدخلاتهم في الشؤون الداخلية مطابقة لما نص عليه ميثاق الامم المتحدة التي تحدث عن عدم جواز التدخل بشكل مباشر أو غير مباشر.

2 ـ هل التدخلات الأميركية وحصارها الاقتصادي وإجبار الدولة اللبنانية في الخضوع لقانون قيصر فضلاً عن منعه في الأخذ بالخيارات الاقتصادية مع دول لا ترضى عنها أميركا هل هذا الأمر يخضع للمواصفات التي أشار لها ميثاق الأمم المتحدة في حق الدولة السيادي في تقرير نظامها وتوجهاتها الاقتصادية.

3 ـ هل حرمان الدولة اللبنانية من الاستفادة من مواردها النفطية والغازية غير المتنازع عليها كحال بلوك 4 و 5 يخضع للمواصفات التي تحدث عنها ميثاق الأمم المتحدة حول سيادة الدولة الدائمة على مواردها وفقاً لإرادة شعبها دون تدخل او تهريب او تهديد من الخارج بأيّ شكل من الأشكال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى