مقالات وآراء

مُسيّرات الأبّ مبارك وحزب الله ترسم حدود منعة لبنان وقوته

} خضر رسلان

شهد الأسبوع المنصرم حدثين لهما دلالات تلامس هوية ومستقبل لبنان وهما مواقف الأبّ كميل مبارك ومُسيّرات المقاومة فوق كاريش.

1 ـ مُسيّرة الأب كميل مبارك الوطنية:

لم يكن جديداً ما أطلقه الأب كميل مبارك حين وصف الولايات المتحدة بأنها أوّل عدو للبنان وسكان الشرق الأوسط. فقد سبقه الى ذلك العديد من رجال الدين المسيحيّين، منهم راعي الكنيسة الإنجيلية في بيت لحم ورئيس مجمع الكنيسة اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة في فلسطين القس متري بشارة الراهب الذي أكد أنّ السياسات الأميركية في الشرق الأوسط والاحتلال «الإسرائيلي» أدّيا الى هجرة الكثير من المسيحيين متسائلاً «هل تفريغ الشرق الأوسط من المسيحيّين يأتي في سياق مخطط استراتيجي».

وفي سياق متصل وفي إطار السياسة العدائية الأميركية التاريخية اتجاه مسيحيّي لبنان بشكل خاص كان لافتاً مقاربة الرئيس الراحل سليمان فرنجية لدور وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر في لبنان والمنطقة، بأنه هو الذي وضع خطة منذ العام 1974 لتفجير الحوادث في لبنان التي تهدف الى هجرة المسيحيّين التي عرضها عليه شخصياً (كيسنجر) ثم أكدها الموفد الأميركي دين براون الذي عرض على فرنجية خدمات بلاده في تقديم وسائل النقل اللازمة التي تمكن مسيحيّي لبنان من الهجرة، والهدف الأميركي الكبير من وراء ذلك بحسب الرئيس فرنجية هو إيجاد أرض عربية للشعب الفلسطيني خارج فلسطين، أيّ في لبنان وعلى حسابه لأننا ضعفاء.

لذلك، فالمخطط الأميركي يرمي الى تهجير جميع اللبنانيين المسيحيّين من لبنان وإحلال الفلسطينيين مكانهم، ويتابع الرئيس فرنجية انّ مخطط كيسنجر هو قائم ومستمرّ، أيّ: توطين الفلسطينيين في الأراضي اللبنانية.

لا يمكن ان تصنّف مواقف الأب مبارك في خانة الاتهام للولايات المتحدة إنما هي توصيف لواقع دأبت عليه منذ عقود من أجل إرهاق الدول المحيطة بالكيان «الإسرائيلي» وتعزيز عوامل تفوقه وإلغاء حقّ عودة الفلسطينيين وتوطينهم حيث هم، وبالتالي فإنّ ما قاله الأب مبارك يدخل في هذا السياق بأنّ منع أميركا استجرار لبنان الكهرباء من الأردن والغاز من مصر هدفه إركاع وتجويع لبنان وجعله يستسلم، وبالتالي فإنّ الخلاصة التي ذهب إليها الأب مبارك يتشارك بها مع الأغلبية الساحقة من اللبنانيين بأنّ ما يُسمّى الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية يعمل لمصلحة بلاده (إسرائيل).

مواقف الأب مبارك المنتفضة في وجه السياسة الأميركية اتجاه لبنان، والردود والإجراءات التي وردت إثرها تعزز إلزامية العمل على إعادة قراءة السلوكيات الحاكمة من أجل تصويبها وفق التوصيف الحقيقي لمفاهيم السيادة والكرامة الوطنية.

2 ـ مُسيّرات المقاومة تباشير التحرير الثالث:

لقد مرّ لبنان في تاريخه المعاصر في العديد من الأزمات والمحن لأسباب داخلية وخارجية نظراً لوجود أرضية خصبة تعود لهشاشة نظامه الطائفي وتعدّد الولاءات فيه، إلا أنّ هناك محطات ثلاثاً تعدّ الأبرز؛ اثنتان منهما لهما طابع وجودي يتعلق بالكيان نفسه كما هو حال الاجتياح «الإسرائيلي» عام 1982 والذي كان من بين أهدافه إلحاق لبنان بالركب «الإسرائيلي» ووضع لبنان أمام احتمالين إما إلغاؤه وجعله وطناً بديلاً للفلسطينيين او بالحدّ الأدنى إلغاء حقّ العودة وتوطينهم في لبنان. ولقد استطاعت المقاومة عام 2000 إسقاط هذا المشروع من خلال التحرير الأول الذي اندحر خلاله الصهاينة من معظم الأراضي اللبنانية.

والتهديد الوجودي الآخر الذي كان يهدّد الكيان اللبناني من جذوره هو الغزو التكفيري الذي كان يرمي الى جعل لبنان إحدى إمارات دولة خلافة تكفيرية مترافقة مع التغيير الديمغرافي والديني. ولقد استطاعت المقاومة بعد دفعها الكثير من التضحيات من شهداء وجرحى إسقاط هذا المشروع وبالتالي إنجاز التحرير الثاني للدولة اللبنانية.

رغم إسقاط المشاريع التي استهدفت تفتيت الكيان اللبناني لم تسقط أهداف الأميركيين في الانحياز الكلي للصهاينة والعمل على تفوّقهم وإلغاء القضية الفلسطينية وحق العودة.

والمتغيّر أصبح تكتيكياً بالتحوّل نحو الحروب الاقتصادية والحصار والتجويع لإدخال اليأس الى بيئة المقاومة أولاً وباقي الشرائح الأخرى، وفي هذا السياق وضع الأميركيون الفيتو على أيّ محاولة من الدولة اللبنانية في التنقيب على النفط والغاز وتعمل بالتكافل والتعاضد مع الصهاينة على قرصنة الحقوق اللبنانية دون الاكتراث الى ايّ عنوان له علاقة بالمناطق المتنازع عليها فضلاً عن إرسالها رسائل التهديد الى الدولة اللبنانية بأنّ الصهاينة سيبدأون في استخراج الغاز خلال شهرين سواء جرى الترسيم أم لم يجرِ، دون حصول ضمانات في السماح للشركات من الاقتراب من الحقول اللبنانية.

بناء على ما تقدّم ولأننا نعيش في عالم لا يحترم إلا الأقوياء وحفظاً وصوناً للحقوق اللبنانية كانت المُسيّرات الوطنية التي أرسلتها المقاومة والتي أدخلت التوجّس لدى الصهاينة والقلق لدى أميركا وأوروبا والامتعاض الممزوج بالخنوع لدى العديد من القوى في الداخل اللبناني والتي لا تريد الاستفادة من عناصر القوة هذه والتي تعزز بالحدّ الأدنى موقف لبنان التفاوضي، إلا أنّ المقاومة اتخذت القرار الذي لا بدّ منه وهو الذي يحفظ الحقوق ويرسم تباشير النصر الحاسم بتحرير ثالث يعزز منعة لبنان وقوته على الصعد جميعاً لا سيما الاقتصادية منها التي تحتاجها شرائح المجتمع اللبناني كافة.

أخيراً فإنّ هذين الحدثين من مُسيّرات الأب مبارك والى مُسيّرات المقاومة واللذين أثارا الكثير من الردود يشيران بما لا يدعو الى الشك الى أنّ الأزمة التي يعاني منها اللبنانيون ليست مسألة حصص طائفية أو وزارية، وليست مقاعد نيابية وانتخابات رئاسية، إنما هذه عناوين متفرّعة عن الأصل والهيكل في النظام اللبناني الطائفي المتعدّد الولاءات والاجندات. وهذا ما يؤكد وبشكل حاسم وقاطع أنّ المطلوب إعادة قراءة هذا النظام من جديد، حرصاً على مستقبل أبنائه من خلال عقد مؤتمر وطني مهمّته إعادة بناء وهيكلة النظام على أسس وطنية تحفظ حقوق بنيه بشكل عادل ومتساوٍ ولا يفرّط فيها بسيادته الوطنية وثرواته بأنواعها المختلفة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى