أولى

التعليق السياسي

تبدُّل المسار من حرب 67 إلى حرب تموز

بعد قرابة 40 سنة على حرب العام 1967، جاءت حرب تموز 2006، لترسم معادلة عكسيّة لها، والقضية هنا ليست جغرافية ولا عسكرية، بل استراتيجية. فكان أهم ما فعلته حرب 67 هو أنها كشفت للإسرائيلي نقاط قوته في أشد لحظات قلقه من نقاط ضعفه، وكشفت للعرب نقاط ضعفهم في أشد لحظات ثقتهم بنقاط قوتهم، وبنيت على هذه المعادلة سيرة أربعين عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي، رغم ومضات حرب عام 1973 التي ضيّعتها حركة الرئيس أنور السادات واحتواها اتفاق كامب ديفيد، بل ورغم إنجاز التحرير عام 2000 الذي ينسجم في نتائجه مع نتائج حروب المقاومة في وجه جيوش الاحتلال الأجنبي في العالم.

جاءت حرب تموز 2006 بصفتها حرباً نظاميّة يخوضها أحد أقوى جيوش العالم بهدف تدمير وتشتيت قدرات منظمة مكوّنة من مئات المقاتلين، عبر عملية عسكرية لا يكون فيها بصورة جيش احتلال، ولا يتيح بالتالي نشوء مقاومة تقاتله، فينهي عملية السحق والتدمير وينسحب. وحققت المقاومة نصرها التاريخي عندما أثبتت أنه فشل في تدمير مقدراتها، وتوّجت نصرها بمنعه من التوغل في خط جغرافي حدودي كانت معركة بنت جبيل نموذجه الصارخ، وفقاً لقواعد حرب نظامية كاملة بين جيشين، جيش يقاتل بكامل قوته المادية، وجيش يقاتل بكامل قوته الروحية، ليكتب سيرة انتصار غير مسبوق في تاريخ الحروب وبما يعاكس قوانينها المعلومة.

الذي حدث في حرب تموز أنإسرائيلاكتشفت ضعفها في أعلى درجات ثقتها بقوتها، وأن المقاومة اكتشفت قوتها في أشد لحظات قلقها، ومهما حاول الإسرائيليون بعد الحرب فهم يعلمون أنهم لن يستعيدوا تلك الثقة التي دخلوا الحرب عام 2006 على أساسها، وخرجوا من الحرب وقد خسروها الى غير رجعة. وبالمقابل فإن المقاومة مهما تحسّبت لما يُعدّه الإسرائيلي لأي حرب جديدة فلن يكون قلقهم مشابهاً لذلك القلق الذي دخلوا الحرب عام 2006 وهو يسكنهم وغادروها وقد دفنوه الى الأبد.

مشهد التحول الكبير المتعاكس بين الحربين في عام 67 وفي 2006، تعبر عنه بوضوح المقارنة بين كيف تحول نصر تموز للمقاومة إلى تحولها قطباً جاذباً يفتح باب استقطاب تفاعلي تاريخي عظيم توج بولادة محور مقاومة قوي وقادر كانت آخر إنجازات مكوناته معركة سيف القدس في فلسطين، والمعادلات التي أنتجها اليمنيون في مياه الخليج وأمن دوله وموارد الطاقة فيه، بينما كان سقف التعويض المقابل لكيان الاحتلال هو الاستناد إلى تدخل أميركي علني لانتزاع مشهد كاريكاتوري لاندماج الكيان في المنطقة عبر معادلات التطبيع.

استدعى التحول الاستراتيجي في المنطقة بين مسارين متعاكسين، الذي فرضته حرب تموز 2006، زلزالاً بحجم انتصار الثورة الإسلامية في إيران الذي غيّر توازنات المنطقة، ونقل مشروع المقاومة من صفة قوة تكتيكية لفرض الانسحاب التفاوضي علىاسرائيل، الى مشروع استراتيجي لا يعترف بالسلام مع الكيان ويسعى لإنهائه.

الرهانات الغربية والإسرائيلية وآمال بعض العرب المتأمركين والمتأسرلين، بمسار معاكس جديد، يستدعي زلزالاً بحجم سقوط روسيا في الحضن الأميركي، بينما ما يجري يقول إن روسيا تتقدّم وأميركا تتراجع، وربما تكون الحروب المقبلة في المنطقة هي حروب تفكيك كيان الاحتلال لا غير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى