الوطن

هل بات اللبنانيون أمام خيارين… جهنم أو العصفورية أو الإثنين معاً؟

علي بدر الدين

المشهد السياسي المتأزّم في لبنان الذي من المتوقَّع والبديهي، أن يرتفع منسوب تأزمه وتعقيداته وتداعياته غير المطمئنة، حتى بلوغ عتبة استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، والذي بدأ موعده يدنو، ويقضُّ مضاجع المعنيين فيه مباشرة في الداخل والخارج على حدٍّ سواء في السر والعلن، من دون أن تحسم القوى السياسية «الفاعلة والمؤثرة»، خياراتها وقراراتها في حصوله في موعده من عدمه تأجيلاً لبعض الوقت، أو ترحيلاً بقصد حصول الفراغ الرئاسي إلى حين «استواء» طبخة التسويات وإنْ طال زمنها، لأنّ هذه القوى هي أساساً غير قادرة بل هي فاقدة الأهلية في مثل هكذا استحقاقات دستورية، كما في غيرها من الاستحقاقات الانتخابية حتى في تشكيل الحكومة، باعتبار أنّ القرار وكلمة الفصل والحسم والمرور والعبور إليها، كلها معلَّقة على حبال القوى الإقليمية والدولية التي ربطت لبنان واستحقاقاته وقراراته ومصيره بما يخدم مصالحها ومنافعها ونفوذها

يبقى التنفيذ طبعاً متروكاً لوكلائها المحليين ومن «صلاحياتهم»، فقط، ترجمة القرارات والتوصيات والتوجهات، مقابل حصولهم على رشوة زهيدة الثمن محصورة في مواقع سلطوية ومال وحماية مكتسباتهم وثرواتهم وأموالهم المكدًّسة في مصارف الخارج، ولا همّ إنْ ذهب الشعب اللبناني إلى جحيم الفقر والجوع والأمراض التي تفتك به، لانعدام الغذاء والاستشفاء واحتكار الدواء وارتفاع أسعاره غير المسبوقة، والأهمّ أن تتأبَّد المنظومة السياسية في مواقعها وتتسيَّد قرار التحكُّم بكلّ شيء، وتحديداً بهذا الشعب الذي تمَّ تجريده من أيِّ حقٍّ له من حقوقه المكتسبة والمشروعة، وقد نجحت في مصادرة «صوته» وأرغمته على «التصويت» لها غصباً عنه، بإرادته أو من دونها بعد أن أشبعته حتى التخمة نفاقاً ووعوداً وشعارات وعناوين طائفية ومذهبية ومناطقية وعنصرية، حرَّكت فيه غرائزه الراكدة والمكبوتة ووظفتها لصالحها ومصالحها، وهي لا تزال ممعنة ومصرَّة على السير بنهجها وسلوكياتها وممارساتها وأدائها في إدارة شؤون البلاد والعباد، التي أوصلتهم إلى ما هم فيه اليوم من انهيارات وأزمات وفقر وجوع وبطالة وإضرابات طالت لأول مرَّة القطاع الوظيفي العام، الذي شلَّ البلد والدولة وإداراتها ومؤسساتها في مشهد يبدو كأنه عصيان مدني مقنع وغير معلن.

كلّ الذي يحصل والمنظومة غائبة كلياً عن السمع والنظر والفعل والمعالجة، «فخّار يكسٍّر بعضه»، وكأنها غير معنية وغير مسؤولة

كلّ ما يحصل لا يعدو كونه مجرد اقتراحات وزارية فردية واجتهادات شخصية، تتعلق بإعطاء مساعدات مالية للموظفين المضربين من دون دفعها، لأنّ خزينة الدولة فارغة، إنما محاولة تخدير جديدة من خلال رشوة غير قابلة للتنفيذ، لم تؤت ثمارها ولم تؤدِّ إلى تعليق الإضراب.

كلّ ما تفعله المنظومة الحاكمة أنها تلجأ إلى حيَلِها المجرّبة وألاعيبها المعتادة ومسرحياتها الإلهائية المشهودة، كأن تكبِّر حجر الخلاف بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلَّف، حول تشكيل الحكومة، التي لن تُشكَّل للآن ولا في الغد إلى حين معرفة مصير الاستحقاق الرئاسي انتخاباً أو تأجيلاً، ثم قيام مدَّعية جبل لبنان القاضية غادة عون بغزوات متكررة على منازل أو مقار أو مكاتب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ودائماً تعود وسلتها فارغة، لأنّ هناك من يسبقها بتبليغه بموعد الغزوة وبالأماكن المستهدفة، إلى هذا الكمِّ من السجالات والمعارك الوهمية التي تحصل بين مكونات القوى السياسية ونوابها ووزرائها حول أمور وقضايا وملفات خارج النص والواقع.

كلّ ذلك «اللفّ والدوران» من هذه المنظومة ليسا سوى مضيعة للوقت وإشغالٍ للناس بما لا يعنيهم، حتى تتوضح صورة واتجاه رياح قمتي جدة وطهران، خاصة في «الشق» المتعلّق بلبنان، إنْ لجهة إعادة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، خاصة أنّ «لعاب» أميركا وأوروبا يسيل أمام الحاجة الملحة لنفطه وغازه تحديداً، أو لجهة استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، الذي شملته قمة جدة بفقرة تدعو فيها لبنان إلى احترام موعده الدستوري.

وهناك صندوق النقد الدولي المتربِّص للانقضاض على لبنان بشروطه التعجيزية والقاسية، التي من شأنها ان تعمّق من أزمات اللبنانيين ومعاناتهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية والخدمية، في حال تمّ «الاتفاق» معه، وأُقرِّت الموازنة العامة التي تتضمَّن المزيد من الضرائب والرسوم الجديدة، واعتمادها الدولار الجمركي على اساس سعر منصة صيرفة، وهذا يعني بكلّ بساطة أنّ جهنَّم فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال اللبنانيين وحرقهم بنارها، أو إلى العصفورية وفق ما بشَّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

ماذا سيفعل الشعب لإطفاء نار جهنًّم الموعودة وتكون عليهم برداً وسلاماً؟ وماذا سيفعل لتفادي الدخول إلى العصفورية؟ خاصة أنّ الخيارات أمام هذا الشعب تضيق، وعليه أن يختار بين جهنَّم والعصفورية أو ينتفض وتكون له كلمة الحسم والفصل والقرار. هل يفعلها ويقلب الطاولة، أم انه استسلم و»رفع العشرة»…؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى