نقاط على الحروف

– ثلاث ضربات على الرأس تسبّب العمى

 ناصر قنديل

يعيش كيان الاحتلال مرحلة شديدة الصعوبة، في ظل حكومة شديدة الضعف، وأمام استحقاق انتخابات مبكرة للمرة الخامسة في أقل من أربع سنوات، ومع تآكل مريع لقوة الردع تجسّد في حربين متتاليتين مع غزة خلال سنة ونصف، فشل خلالها جيش الاحتلال بإسكات صواريخ المقاومة ومنع تساقطها على تل أبيب ومطار بن غوريون، وتخلى عن فكرة المغامرة بحرب برية خشية الخسائر الكبيرة التي تنتظره، بينما يتحاشى التفكير بحرب مع لبنان، رغم كثرة الكلام الفارغ عن القدرة على تحقيق النصر، كما في الحديث عن نوايا حرب مع إيران. والكيان المأزوم سوف يتلقى دفعة واحدة خلال الأيام المقبلة ثلاث ضربات قاسية على الرأس، وكما قيل إن ثلاثة ضربات على الرأس تسبب العمى.

كل المؤشرات تتحدث من واشنطن وطهران وبروكسل، عن نجاح المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني بقطع أغلب المسافة الفاصلة عن التوصل الى اتفاق، وعن الدخول في تفاصيل اللمسات الأخيرة قبل التوقيع. وما يقوله قادة الكيان بهذا الصدد يكشف حجم الغيظ من مبدأ توقيع اتفاق مع إيران، لكنه يكشف أكثر الغيظ من هذا الاتفاق الذي يصفونه بالأسوأ لهم، لما يتضمنه من تنازلات غربية عموماً وأميركية خصوصاً، لصالح إيران. وفوق ذلك تكشف المواقف المعلنة لقادة الكيان اليأس من إمكانية عرقلة الاتفاق، والانتقال الى مرحلة البحث بالتأقلم مع مرحلة ما بعد التوقيع، ولا يخفي قادة الكيان يقينهم بأن الاتفاق سيعزّز مكانة إيران الإقليمية، ومواردها المالية، وعبر هاتين ستنال المقاومة في فلسطين ولبنان خصوصاً مزيداً من الزخم السياسي والإمكانات المادية، وستشهد المنطقة مداً شعبياً وسياسياً لصالح خط المقاومة مقابل خط التطبيع الذي يحتضر أصلاً، كما تقول الاحصاءات الأميركية حول تراجع الشعبية المؤيدة لمسار التطبيع رغم الاحتفالات التي أقامتها الحكومات.

لا يملك قادة الكيان الفرص لإنكار المأزق الذي يواجهونه مع تحول القبول باتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، إلى ممر إلزامي لتفادي حرب، لم يعد ثمة شك بأن المقاومة عازمة على خوضها، ما لم ينل لبنان مطالبه بترسيم منصف وحق ثابت بالتنقيب والاستخراج، ويعرف قادة الكيان أن هذا الاتفاق الذي لا مفر منه، إلا بحرب أشدّ خطراً منه، يعني انتقال النظرة الشعبية في لبنان نحو المقاومة، من مسؤول عن الانهيار، كما أرادت السردية الأميركية الإسرائيلية الخليجية ومن روج لها في لبنان، إلى مخلص ومنقذ من الانهيار، انطلاقاً من كون الموارد الوحيدة التي ستتيح للبنان الخروج من خطر الكارثة، هي تلك التي سوف يوفرها استثمار لبنان ثروات النفط والغاز، بعد منع أميركي إسرائيلي عطلته تهديدات المقاومة بشن حرب.

ضربة ثالثة على الرأس ينتظرها قادة كيان الاحتلال من المعلومات المتواترة حول المسار الذي تسلكه العلاقات التركية السورية، بحيث لم يتسنّ لهم الاحتفال بعودة السفراء بين أنقرة وتل أبيب، حتى ظهر أن الوجهة الرئيسية للسياسة التركية تتركز على استعادة علاقات تركية سورية تنهي عشر سنوات ونيّف من التصادم، منذ أن تحولت تركيا الى قاعدة مركزية للحرب على سورية، ومركز لتجميع التشكيلات المتطرفة الإرهابية من أنحاء العالم وتنظيمهم وضخها إلى الداخل السوري، وقادة الكيان الذين كانوا يراهنون على تزخيم عمل هذه التشكيلات وتعزيزها لخوض حرب استنزاف تحول دون تعافي سورية وعودتها ركيزة فاعلة في محور المقاومة، يدركون أن نجاح مشروعهم بما في ذلك الغارات على سورية، مشروط ببقاء تركيا قاعدة وركيزة للحرب على سورية، والتموضع التركي خارج الحرب، انتقال تركيا الى مرحلة التنسيق مع الدولة السورية، مدخل لنهاية وجود الشمال السوري خارج نطاق سيطرة الدولة السورية، ومدخل لاستعادة الدولة السورية ثرواتها من النفط والغاز في الحقول الشمالية الشرقية، وإعلان لمرحلة لن تستطيع القوات الأميركية البقاء خلالها في الأراضي السورية. وهذه تحوّلات يخشاها قادة الكيان ويعلمون أنهم الخاسر الأول بسببها، بمثل ما يعلمون أن ما تفعله تركيا ليس خياراً إرادياً بل هو تعبير عن التوازنات الدولية والإقليمية المحيطة بالدور التركي، وفي مقدمته المصالح العليا لتركيا مع كل من روسيا وإيران.

فعلاً ثلاث ضربات على الرأس تسبب العمى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى