مقالات وآراء

أقزامٌ طغاة والعبيد…

جابر جابر

«متى نهض قزم، وأخذ يتبختر ويتخيّل أنّه جبّار، فالعزّ يصير ذلاً، والذلّ يصير عزاً».              سعاده

 

لا يجد القول زاوية في الواقع المستجدّ، إلا ويصفها ويتماهى فيها. فأنت في مجتمع تقوقعت فيه القيم والمبادئ في قعر الإناء، وطفت على وجه المحتوى وجوفه، هرطقات التطبيل والتزمير، وتبجّحات ما عادت تخفي ملامح نفاقها خلف ستار، في فوضى ينوء تحتها مجتمع بأسره، مجتمع كانت له اليد الطولى في تعويم القزم، ورفعه فوق الأكف والأعناق، وكأنما الألباب قد سلبت، وطحن منها فتات بقايا، ورميت طعاماً في مزارع الدواجن، وقوتاً للضباع والذئاب. تنهمك الوسائل الإعلامية في استضافة الوجوه، المخاطبة والمحللة، وأهمّها الشاجبة والمتهمة في تنظير لا يتوقف. وبالموازاة تعجّ الأخبار بتردّدات الواقع المزري، حوادث غرق في مركب غير شرعي، وصدم على طرقات الفاقدة للإنارة وأقلّ مقومات السلامة العامة، وموت أمام أبواب المشافي، وأنين من وجع وجوع، وتسوّل لمنحة هنا ووظيفة هناكفي ضوضاء من الجنون اللاهث، الذي يصارع للتعلق بقشة النجاة. فمن المسؤول؟

أصحاب المعالي والسعادة، أصحاب الألقاب المتوارثة من صناديق التوريث الصدئ لا يتقنون سوى الشجب، الاستنكار، والتوصيف، وأقصى ما يمكنهم المنّ به هو فتات واسطة هنا، ومساعدة هشة هناك في جوّ يستفحل فيه الجنون الطائفي والمذهبي والطبقي.

من المسؤول؟ المسؤول هو من اتقن الانحناء، من أتقن التسوّل ولا يزال يمارسه إتقاناً لا يبهت. فلا جوع ولا ذلّ منعه أو حرّك فيه ثورة الكرامة، التي ما إنْ يعود إليها نبض خافت نتيجة صعقات الذلّ والحاجة، حتى تموت مجدّداً على ابواب الزعامات في مشاهد يُرثى لها. من المسؤول؟ «لا تسال الطغاة لماذا طغوا، بل إسال العبيد لماذا ركعوا».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى