أخيرة

نافذة ضوء

الوعي القوميّ الاجتماعيّ  قبل العقيدة

 يوسف المسمار*

 كتبت لي إحدى الرفيقات تسألني: «ما هو الحل لشفاء مجتمعنا من أمراض الأنانية والطائفية وإحداث نهضة تسير بنا الى المجد؟»، فأجبتها بما يلي:

الحل يمكن أن يكون فقط بالوعي القومي الاجتماعي، والنظام القومي الاجتماعي، والأخلاقية القومية الاجتماعية؛ وهذا ما عنيته في حلقة إذاعية تثقيفية في ستينيات القرن الماضي في منزل الرئيس الراحل الأمين مسعد حجل الجزيل الاحترام، جاء تحت عنوان:

الوعي السوريّ القوميّ الاجتماعي قبل العقيدة»، جاء فيها:

الوعي قبل العقيدة، ودور العقيدة يأتي بعد الوعي، لأننا إذا لم نتمكّن من توعية المقبلين على الحزب توعية صحيحة، لن يكون فهمهم لها فهماً صحيحاً، ولن يكون إيمانهم بها إيماناً كاملاً ومطلقاً، ولن يكون صراعهم من أجل انتصارها صراعاً قويّاً دائماً، ولن يتحقق النصر، كما أراد زعيمنا، الذي قال في محاضرته الأولى:

«فالمعرفة والفهم هما الضرورة الأساسيّة الأولى للعمل الذي نسعى إلى تحقيقه».

الوعي والتوعية إذاً هما قبل العقيدة، والعقيدة تأتي بعد التوعية. والعقيدة مهما كانت بديعة وصحيحة وصالحة لا تنتصر بدون وعي ولا ينتصر بها إلا الواعون، ومخطئ مَن يعتقد أن العقيدة الصالحة تنتصر بالجهل والجهلاء، والفوضى والفوضائيّين، والغوغاء والغوغائيين.

لذلك نحن نتوجّه في مدرستنا مدرسة الحياة السورية القوميّة الاجتماعيّة الجديدة الى عقول وقلوب وضمائر بنات وأبناء الحياة في شعبنا بالتوعية المحيية وليس بالتجهيل المخدّر للعقول والقلوب والضمائر، ليكونوا جديرين بتحقيق العقيدة التي ترفعهم وترفع الأمة الى المكان الأرفع بين الأمم

إن الأمة السورية قبل أن تكون بحاجة الى عقيدة قومية اجتماعية، ونظام قومي اجتماعي هي بحاجة أولاً الى سوريات وسوريين واعين مناقبيين قوميين اجتماعيين نظاميين أخلاقيين أبطال مصارعين يدركون أهميّة عقيدة النهضة، وقيمة الوجدان القوميّ الاجتماعيّ، وضرورة العمل بنظام أخلاقيّ قوميّ اجتماعيّ، وعقليّة منفتحة على كل خير، وايمان قويّ لا يتزعزع حتى يحفظوا العقيدة، ويحفظوا النظام، ويحققوا للحزب الانتصار وللأمة النهضة فتحيا الأمة بمدرسة الحياة القومية الاجتماعية».

إن الحل لا يمكن أن يكون بهلوسات مدرسة الشتائم والتشكيك ومتخرجيها التي ظهرت وتظهر باسم المحافظة على العقيدة القومية الاجتماعية تارة، وباسم المحافظة على النظام القومي الاجتماعي تارة أخرى، وتمادى تلامذتها ومتخرّجوها في شتم قياداتهم ورفقائهم وشككوا في عقائديتهم ونظاميتهم.

وكل حل لا يكون بتحقيق مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي الأساسية والاصلاحية، والعمل بنظامٍ مناقبي أخلاقي لغاية حركة النهضة القومية الاجتماعية، واتخاذ التفكير السوري القومي الاجتماعي دليلاً لانتصار حزب النهضة السورية القومية الاجتماعية في الأمة لتكون قدوة للأمم، وممارسة القيم الإنسانية العليا باطناً وظاهراً هو حلٌ تسكيني تخديري مؤقت لتخفيف آلام الحزب، ومصائب ويلات الأمة التي تحتضر بين الموت والحياة فلا هي حيّة فتنتعش بثرثرات التشجيع وأمصال التخدير، ولا هي ميتة فتستسلم في مقابر الأجيال البائدة لتحبل الأيام بجيل قادم لا زال في رحم الغيب ينتظر انفكاك أسره فيخرج عملاق وعيٍ، ومنار خَلقٍ وخُلُقٍ، وحزب بطولات لا تغيب من سمائه شمس الهداية ولا عن وطنه تعاليم التنوير والتجويد والتحسين للأنور والأجود والأحسن فتتحقق غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي في بعث نهضة سورية قومية اجتماعية، ويدوّي نشيد الأمة السورية في هذا الوجود تردّده طلائع الأمة بسلامة العقل والعقلية وممارسة البطولات الرائدة مرددة صوت باعث النهضة:

«لقد شاهد أجدادنا الفاتحين السابقين ومشوا على بقاياهم، أما نحن فسنضع حداً للفتوحات».

فيمزق صوت الشاعر السوري الفيلسوف جبران خليل جبران كفن الموت ويصيح في سكان القبور أن انهضوا أيّها السوريون. لقد صدق اعتقادي. ألم أقل لكم قبل أن أرحل عنكم:

«إذا كنا لا نريد أن نمضغ ونبلع ونهضم فعلينا أن نحافظ على صبغتنا السورية حتى وإن وضعت سوريا تحت رعاية الملائكة. أنا أعتقد أن السوريين يستطيعون أن يفعلوا شيئاً مشكوراً بعد خروجهم من عهد التلمذة إلى عهد التوليد. ولولا اعتقادي هذا لفضلت الانضمام الكليّ الى أية دولة قوية».

فيمتزج صوت جبران بصوت سعاده القائل:

«لا شك عندي أنه سوف تتحرك عظام وطني وتكتسي لحماً وعصباً فينتصب على قدميه ويقف بين الأوطان الحيّةوتمتد روح الحزب السوري القومي الاجتماعي في جسم الأمة وتنظم جماعاتها. وسيأتي يوم، وهو قريب، يشهد فيه العالم منظراً جديداً وحادثاً خطيرارجالاً متمنطقين بمناطق سوداء، ونساءً مزهوات بملابس بيضاء، على لباسٍ رصاصي، تلمع فوق رؤوسهم حراب مسنونة، يمشون وراء رايات الزوبعة الحمراء يحملها جبابرة من الجيش فتزحف غابات الأسنة صفوفاً بديعة النظام، فتكون إرادة للأمة السورية لا تُرد، لأن هذا هو القضاء والقدر».

إن طريق النصر طويلة وشاقة لأنها طريق الحياة، وطريق الحياة لا تنتهي بزمن أو بأجيال، بل إن الأزمنة العظيمة هي التي تصنعها الأجيال العظيمة وتحياها الأمم العظيمة ما دام في أبنائها وأجيالها تنبض نفوس عظيمة.

والأمم العظيمة أممٌ حيّة ناهضة لا تنتظر نهضتها من خارجها وسورية الحيّة كلما ظنّها أعداؤها منقرضة كذّبت ظنونهم وأوهامهم بانبعاثها أقوى مما كانت لأنها سيدة الماضي والحاضر والمستقبل، والإنسانية بحاجة دائمة الى مواهب وعبقريات سورية. والمستحيل الوحيد أن تبقى الإنسانية إنسانية إذا انقرضت سورية. وهذا هو سبب إيمان واعتقاد شاعرنا الكبير جبران خليل جبران الذي قال:

«ولولا اعتقادي هذا لفضلت الانضمام الكليّ الى أية دولة قوية».

ولا زلت أذكر تعليق حضرة الرئيس الراحل مسعد حجل الذي قال بعد نهاية محاضرتي في تلك الحلقة التثقيفية هذا القول:

«فعلا ً يا رفيقي: الوعي هو الأساس لنفهم العقيدة. والعقيدة ليست من أجل العقيدة، بل من أجلنا. من أجل حياتنا كأمة عزيزة وحرة. ولذلك أقول لا يكفي ان تنتصر العقيدة فينا. لا يكفي أن نُولد نحن الى الحياة الجديدة. بل يجب أن تُولد بنا الحياة الجديدة لأمتنا. وهذا يتطلّب منا الوعي القومي الاجتماعي السليم. وهذا ما دعانا اليه سعاده».

*باحث وشاعر قوميّ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى