نقاط على الحروف

سباق الانهيار بين أوروبا وأوكرانيا

 ناصر قنديل

تؤكد قيادات روسيّة عليا على صلة بإدارة الحرب التي تخوضها موسكو على أكثر من جبهة، أن الخطة الأميركيّة البديلة التي تمّ وضعها في شهر أيار الماضي، بعد فشل النسخة الأولى من الخطة الأولى، وتركّز العمل على محورين، الأول منع الجيش الروسيّ عسكرياً من السيطرة على مناطق شرق وجنوب أوكرانيا عبر تزويد الجيش الأوكرانيّ بأحدث أنواع السلاح المدفعيّ والصاروخيّ بهدف إيقاع أكبر خسائر بالجيش الروسيّ لدفعه الى صرف النظر عن المزيد من الهجمات، والثاني تأمين بدائل للغاز الروسي لصالح الأسواق الأوروبيّة، لضمان منع الانهيار الاقتصادي، بعدما نجحت روسيا خلال الشهر الأول من عمليتها العسكرية بتحقيق تقدّم نوعي وصل الى قلب العاصمة كييف والى أطراف أوديسا جنوباً، ونجحت باحتواء الحزمة الضخمة التي تم إعدادها من العقوبات الهادفة لتدمير النظام المالي والمصرفي في موسكو ودفع الروبل للانهيار. وجاءت النتائج المخيّبة للخطة الأميركيّة واضحة عبر المكاسب التي حققها سعر صرف الروبل، والتي تجاوزت الـ 50%.

الرهان على الخطة المرحلية لم يكن تغيير موازين القوى، بل تحقيق الصمود لإتاحة الوقت اللازم، والمقدّر بثلاثة شهور للهجوم الشامل المعاكس في نهاية شهر آب ومطلع شهر أيلول، ولذلك تحدّث الرئيس الأوكراني مراراً عن شهر آب باعتباره أهم مفصل زمنيّ مقرّر في الحرب، وصولاً لقوله بعد آب يمكن العودة للمفاوضات، وخطة الهجوم المعاكس تستهدف استعادة مدينة خيرسون والمفاعلات النوويّة في زاباروجيا، وما يعنيه ذلك من قطع الاتصال بين القوات الروسيّة في دونباس مع جزيرة القرم، ومن استعادة أوكرانيا مرافئها على بحر آزوف والبحر الأسود، وموارد الطاقة الكهربائية الرئيسية التي تمثلها زاباروجيا، وبالتوازي يتمّ السير بفرض سقف لسعر بيع النفط الروسي في الأسواق لتجفيف الموارد المالية الروسية، وهو ما يجب أن ينتظر اكتمال عدة توريد الغاز والنفط إلى الأسواق من البحر المتوسط، عبر الاتفاق مع كيان الاحتلال من جهة، ومن عائدات عودة إيران إلى أسواق النفط والغاز، من خلال الرهان على نجاح مفاوضات فيينا، والإغراءات المالية لإيران.

انتهى شهر آب ومرّ أول أيلول، ووقع الهجوم الأوكراني الهادف لاستعادة خيرسون، وتم تنظيم هجمات مكثفة على زاباروجيا من ضفاف نهر دينيبرو، تحت غطاء التصعيد الغربيّ حول خطورة بقاء القوات الروسية فيها، وكانت الحصيلة أن روسيا المستعدّة والمجهزة بما يلزم لإحباط هذه الهجمات، دمّرت الهجوم الأوكراني وكبدت القوات الأوكرانية خسائر تُحسب بآلاف القتلى، والقضاء على كتائب كاملة، وإنهاء أسطورة المنصات الصاروخية الأميركية الحديثة من طراز هايمارس، عبر سلاح الطائرات المسيّرة، الذي يقول الأميركيون إنه كان موضوع تنسيق روسي إيراني عسكري واستخباراتي خلال الشهور الماضية. ومر شهر آب وبدأ شهر أيلول، ولم تستطع حكومة الاحتلال تنفيذ وعودها ببدء ضخ الغاز من منصة حقل كاريش بفعل تهديدات المقاومة، ولا نجحت الرهانات على عودة إيران الى الاتفاق النووي والعودة بنفطها وغازها إلى الأسواق، مع تشدّد إيراني تفاوضيّ واضح، وصفه الأوروبيون بمعادلة كل شيء أو لا شيء، وصدر قرار مجموعة السبع بوضع سقف لسعر بيع النفط الروسي وهدّدت موسكو بوقف ضخ نفطها الى الأسواق العالميّة، وما يعنيه ذلك من تدمير ما بقي قائماً من استقرار في أسواق الطاقة.

لم يعد في الجعبة الأميركية جديد لإنقاذ خطط الهجوم الفاشل على روسيا، وانطلق سباق الانهيار، بين الجيش الأوكرانيّ والاقتصاد الأوروبيّ، أيهما يسقط أولاً؟

روسيا تنتظر ليُبنى على الشيء مقتضاه!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى