أولى

طهران تُسقط الراية الأميركيّة في آسيا وثلاثيّ الشرق يُسقط آخر بندقيّة بيد واشنطن

} محمد صادق الحسيني

بعد سنوات من الفشل المتتابع للمخططات الأميركية العسكرية المباشرة في كلّ أنحاء الشرق من كابول الى بغداد الى دمشق الى بيروت وأخيراً صنعاء، لجأت زعيمة الغرب والليبرالية المتوحشة الى سلاح المقاطعة والعقوبات الاقتصادية وسياسات العزل وتقطيع أوصال الوطن العربي والإسلامي وإغراقه بما يشبه الثورات الملونة على أنغام تداعيات الربيع العربي، وأمسكت بندقيتها الجديدة (الاقتصادية) من الوسط تهدّد بها من جهة وتلوّح بإغراءات فتح ثغرات في تلك الجدر الخرسانية بهدف جرّنا الى الاستسلام تحت ضغط الجوع وشظف العيش

لكن انفتاح شهيتها على أوكرانيا، كانت بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير انْ لم تكن قد فعلتها!

فكلّ الأنباء الواردة الآن من كل عواصم العالم المعادية لواشنطن او الممانعة لها تفيد بأنّ سيوف أميركا وبنادقها الاقتصادية لم تعد تفعل فعلها انْ لم تكن قد بدأت ترتدّ عليها.

ونبدأ من إيران المحاصرة أصلاً منذ ما يزيد على أربعين عاماً.

فالأنباء الواردة من هناك تؤكد بأنّ انهياراً تاماً للمفاوضات الأميركية الإيرانية حول النووي قد حدث في الأيام الأخيرة، بعدما استطاعت طهران أن تتحرّر من الحاجة الى اتفاق جزئي وناقص وناقض لاتفاقات سابقة، والبرهنة للعالم والمجتمع الدولي بأنّ أميركا هي مَن يرفض إعطاء حقوق إيران الكاملة المتمثلة برفع كامل للعقوبات ومنح ضمانات حقيقية وعقد اتفاق متجدّد ولكن دائم غير قابل للنقض كما هو مفترض باعتبارها هي (أميركا) من خرجت من اتفاق 2015 النووي وهي المطلوب منها العودة اليه.

وإنّ محاولاتها في فرض اتفاق مرحلي ومؤقت لمدة سنة ونصف السنة لإنقاذ الغرب من أزمة الطاقة ليس سوى احتيال ومراوغة وتلاعب خارج المقررات الدولية وهي ما ذهبت الآن أدراج الرياح بعد انهيار مخططات واشنطن .

في هذه الأثناء تمكّنت طهران من عقد توافقات استراتيجية مهمة جداً بينها وبين موسكو وبكين تتخطى عملياً عقوبات واشنطن وهي التوافقات التي تتمثل بتدفق استثمارات روسية صينية في السوق الإيرانية عبر منظمة شنغهاي للتعاون، تبلغ نحو300 مليار دولار، يتمّ تداولها بالعملات الوطنية.

تجدر الإشارة الى أنّ قمة منظمة شنغهاي التي ستعقد قريباً في أوزبكستان ( 15 – 16 أيلول/ سبتمبر) والتي سيعلن فيها تحوّل إيران رسمياً من عضو مراقب الى عضو كامل الصلاحيّة، سيفعّل عملياً تلك التوافقات ويجعلها سلاحاً ماضياً في وجه كلّ مخططات الحصار الأميركي ضدّ طهران.

وبهذا تكون إيران الإمام ورئيسي والحرس الثوري قد سحبت سلاح العقوبات من يد الإرهابي الأميركي وحوّلته الى مجرد حديد خردة.

ما يعني تحرّر إيران بشكل تامّ من أيّ تعهّدات مستقبلية تجاه الغرب، وإخراج القاعدة الأميركية في تل أبيب، من لعبة الكلب النبّاح الذي تحرّكه واشنطن عند الضرورة، لمنع أو تعطيل توافق لم يعد على جدول الضرورات الإيرانية أصلاً.

وهذه بعض ترجمات توافقات القيصر والإمام في طهران، كما تؤكد تلك المصادر.

ما يعني انّ دولة ولاية الفقيه بدأت تترجم عملياً رويداً رويداً خطة إسقاط الراية الأميركية في آسيا وإخراجها من القارة الشرقية الأهمّ عالمياً، وانّ تحالف ثلاثي الشرق الصاعد سيتصدّر منصة العالم، من الآن فصاعداً.

في هذه الأثناء يمكن تلخيص المشهد الإقليميّ على الشكل الآتي:

إنّ إيران تقاوم الضغوط الأميركية بنجاح وتراكم شرقاً.

وإنه لا توافق إيراني سعودي في الأفق، بعدما تأكد انّ الرياض تشتري وقتاً إلى حين انجلاء الوضع في نوفمبر الأميركي، وإيران تقرأ اليد السعودية تماماً، وتتعامل معها على قدر حجمها وعقلها الحقيقيّين

وإنّ أميركا هي مَن يماطل في كلّ الملفات الإقليمية في محاولة يائسة لانتزاع تنازلات من أطراف محور المقاومة لن تبصر النور .

وإنّ «الإسرائيلي» مجرد حاجز طيار او كلب نبّاح تحركه واشنطن عند الحاجة.

وإنّ العدوان المتكرّر على سورية قرار أميركي سببه الهلع من المجهول والمفاجآت مما يراكمه الحليفان السوري الإيراني، وهو وإنْ كان مؤلماً لكنه لن يغيّر من موازين القوى التي هي لصالحنا.

وإنّ ملف لبنان وإنْ كان سيظلّ في حالة مماطلة وتأجيل الحلول الى ما بعد الانتخابات الأميركية و»الإسرائيلية»، وانّ الداخل اللبناني سيبقى مشلولاً مؤقتاً ما لم تفتح هوة ما فيه يجترحها حزب الله، الا انّ اتفاق ترسيم الحدود وانتزاع الحقوق آتٍ لا محالة ومتاح للبنان تحت ظلال نار وبنادق المقاومة.

وأما في العراق فإنّ الانقلاب الأميركي الخليجي فشل والدور الآن للفتنة الأمنية التي ستسحق كما سحق الانقلاب بقوة الحشد وبصيرته.

وأما في اليمن فإنّ الهدنة فيه تبدو هشّة الى درجة انّ البعض يستشعر احتمال اشتعال حرب أكثر ضراوة وقد يتوسّع مداها الى البحر الأحمر، وانْ كان القرار أولاً وأخيراً بيد أنصار الله وسيدهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي .

لكن مجرد صعود اليمن الى الواجهة من جديد بعد العرض العسكري المهيب تحت عنوان «وعد الآخرة» في الحديدة، قد يمثل إشارة ومعلماً جديدين، على ما تفيد المصادر.

وكما ورد في الأخبار فإنّ وصول رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبد السلام الى طهران والإعلان عن لقائه مع علي أكبر ولايتي مستشار الإمام الخامنئي وعدد كبير من المسؤولين الإيرانيين لاستعراض العلاقات المتينة بين صنعاء وطهران والتداول في الشؤون الإقليميّة والدوليّة، قد يزيد من احتماليّة توقع سقوط الهدنة الهشة هناك واحتمال اندلاع المواجهة من جديد.

وهو ما يختصره البعض بأنّ عالم ما بعد أميركا قد بدأ يتشكل من المقاومين للهيمنة الغربية من باب المندب في البحر الأحمر حتى بحر آزوف والبحر الأسود.

بعدنا طيّبين قولوا الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى