مقالات وآراء

لبنان على موعد مع إنجازات… ولكن ماذا عن شياطين التفاصيل؟

} أحمد بهجة*

ينتظر اللبنانيون هذا الأسبوع تحقيق إنجازين على درجة كبيرة من الأهمية، إقرار الموازنة العامة اليوم في المجلس النيابي، والإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة يوم غد الثلاثاء أو بعده بأيام قليلة من قصر بعبدا. هذا إذا صدقت التوقعات وأزيحت جانباً الشياطين التي تكمن عادة في التفاصيل.

ويأملون أن يستمرّ مسار الإنجازات باتجاه إنهاء التفاوض على ترسيم الحدود البحرية جنوباً والتوقيع على اتفاق بهذا الشأن يسمح للبنان بالعودة إلى التنقيب عن النفط والغاز، بعد توقف قسري نتيجة ضغوط خارجية جعلت شركة «توتال» الفرنسية لا تكمل عملها في البلوك رقم 4، فقطعت بنا الحبل في نصف البئر الذي بدأت بحفره وغادرت من دون أن تقدّم لوزارة الطاقة أيّ تقرير عن نتائج عملها، علماً أنّ العقد الموقع معها ينص على أن تحفر «توتال» بئرين في البلوك رقم 4 وبئرين آخرين في البلوك رقم 9.

كما أنّ اللبنانيين ينتظرون معرفة مصير الاستحقاق الرئاسي قبل نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول المقبل، خاصة أنّ الأمور لا تزال غامضة، والكلّ في الداخل والخارج يقف في دائرة الانتظار، لربما يكون هناك تأثير ما للاستحقاقات الأخرى على انتخاب الرئيس العتيد للجمورية اللبنانية.

على أنّ البداية اليوم من الموازنة العامة التي تبارى السادة النواب قبل أيام أمام الشاشات في نقاشها، علماً أنّ قلة قليلة منهم ناقشت بشكل علمي وعملي وموضوعي وقدمت أفكاراً واقتراحات بهدف تحسين وتطوير الموازنة قدر الإمكان بما يخدم الناس بعض الشيء في ظلّ هذا الوضع الاقتصادي والمالي المتأزّم بل الخانق الذي يمرّ به البلد، فيما غالبية المتحدّثين كان هدفهم استغلال البث المباشر للإطلالة أمام الجمهور للمرة الأولى من منبر المجلس حيث طغت على خطاباتهم الشعبوية والمزايدات الفارغة

فالموازنة العامة في لبنان لم تكن يوماً بمثابة خطة عمل مالية واقتصادية، كما يُفترض أن تكون، بل هي في غالب الأحيان عبارة عن دفتر حسابات تُسجّل فيه الإيرادات والنفقات المقدّرة لمدة عام، من دون أيّ رؤية أو خطة.

وغالباً ما يتمّ تسجيل الإيرادات والنفقات بشكل عشوائي مقصود لتأتي الموازنة مليئة بالشوائب والنواقص، وليصبح من الصعب جداً إجراء التدقيق والمحاسبة والمراقبة.

وهناك مَن يتعاطى مع الموازنة العامة كأنها لزوم ما لا يلزم، وليس كضرورة دستورية وقانونية حتى في الاقتصادات الجيدة فكيف إذا كان الاقتصاد سيئاً كما هي حالنا، والكلّ يعرف أننا بقينا 11 سنة بلا موازنة، حيث يُسجّل للرئيس العماد ميشال عون إصراره على إعادة الانتظام للمالية العامة، فجرى إقرار الموازنة العامة للدولة في السنة الأولى من عهده عام 2017 بعد غياب الموازنات منذ العام 2005، وما تخلل تلك الفترة من مخالفات كبيرة وتخريبية مكشوفة ومعروفة لا سيما قصة الـ 11 مليار دولار التي أنفقت وأهدرت من دون قيود في وزارة المالية، وهذا الأمر يحول إلى اليوم دون إقرار قطوعات الحسابات رغم أنّ الموازنة العامة لا يمكن أن تُقرّ بشكل قانوني ودستوري إذا لم يتمّ قبلها إقرار قطع الحساب عن السنة السابقة، وهذا ما لم يحصل في لبنان منذ ثلاثة عقود…!؟

لذلك المطلوب اليوم من النواب الأكارم، وبلا عراضات وبطولات تلفزيونية فارغة، أن يختاروا بين الأسوأ وهو إبقاء البلد بلا موازنة وفي حالة فوضى مالية تزيد من حدة الأزمات التي نتخبّط فيها، وبين السيّئ وهو إقرار الموازنة العامة بحالتها الحاضرة، وعلى علاتها، خاصة أنّ العام الحالي 2022 لم يبقَ منه فعلياً سوى ثلاثة أشهر، وبالتالي لا يستأهل الأمر كلّ هذه التعقيدات طالما أنّ الموازنة تتعلق بإيرادات ونفقات لعام شارف على نهايته، على أن يبادر النواب في ما بعد إلى إلزام الحكومة الجديدة المرتقب تشكيلها بأن تقدّم موازنة العام المقبل 2023 على أسس جديدة ومختلفة، يجعلها الأداة الرئيسية المهمّة المعبّرة عن السياسة العامة التي تحمل سلطة القانون، والقادرة على منع المسؤولين الحكوميين من الإنفاق خارج ما ترسمه لهم الحدود الخاصّة بهم، أيّ أن تكون موازنة فعلية تتضمّن برنامجاً اقتصادياً ومالياً لسنة كاملة من ضمن خطة متكاملة لخمس سنوات أو حتى لعشر سنوات مقبلة، سواء سُمّيَت خطة للتعافي أو للإنقاذ لا فرق، ولكن شرط أن تنهض بالبلاد وناسها، حتى لا يعود خيارهم الهجرة إلىالموت!

*خبير اقتصادي ومالي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى