نقاط على الحروف

الجيش الذي لا يقهر

 ناصر قنديل

منذ خمسين عاماً ونيّفاً أكمل الرئيس الراحل حافظ الأسد خطط بناء الجيش السوري، بعدما بدأ هذه الخطط من موقعه كوزير للدفاع قبل الحركة التصحيحية، واضعاً تحدياً رئيسياً قبالة عينيه، هو كسر الصورة النمطيّة التي فرضت على العقل العربي بعد هزيمة العام 1967، والتي شكلت عنوانها المعادلة التي روّج لها الغرب حول توصيف الجيش الإسرائيلي بالجيش الذي لا يقهر. وثبت خلال سنوات قليلة بعد تسلّم الرئيس حافظ الأسد مقاليد الرئاسة السورية أن خطته قد نضجت واكتملت، وأثمرت أول حرب عربية رداً على هزيمة عام 1967. وقد ارتضى الرئيس الأسد لبلورة قرار الحرب بالشراكة مع الرئيس المصري أنور السادات والملك السعودي فيصل بن عبد العزيز، سقفاً سياسياً في العلاقات العربية يقوم على أولوية مفهوم الأمن القومي، على أي ملفات خلافية، واعتبار المواجهة مع كيان الاحتلال جوهر أي مفهوم جدي للأمن القومي.

جاءت حرب تشرين عام 1973 في مثل هذه الأيام قبل 49 سنة، لتثبت صحة الرهان على الإنسان في بلادنا، مؤهلاته وقدراته وشجاعته وروح التضحية عنده. فتشارك الجندي والضابط والمواطن في تظهير هذه الحقيقة بإثبات القدرة على تحقيق أول نصر بائن على جيش الكيان، وإسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر التي رافقته منذ العام 67. وبالرغم من التلاعب السياسي الذي نجح الأميركيون عبره من ترك سورية وحيدة في الحرب بعد خروج مصر منها بإغراءات السلام التي قدمت للرئيس السادات وتوجت لاحقاً باتفاقيات كامب ديفيد، بقي إنجاز حرب تشرين محور أبحاث ودراسات في الكيان وجامعاته ومراكز أبحاثه العسكرية والاستراتيجية بصفته الدرس الذي لا يُنسى. وحاول الإسرائيليون محو ما أصابهم بنتيجة هذه الحرب، عبر توظيف اتفاقيات كامب ديفيد بتوفير فرصة حرب جديدة تنتهي بهزيمة الجيش السوري الذي بقي يحمل راية حرب تشرين، بعدما خذلت القيادة المصرية السياسية أبطال الحرب من ضباط وجنود الجيش المصري، وكان أحد أهداف اجتياح لبنان عام 1982 تحقيق هذا الهدف، لكن صمود وتضحيات الجيش السوري، خصوصاً في معركتي الدبابات الشهيرتين في عين زحلتا والسلطان يعقوب، حالت دون نجاح جيش الاحتلال وتحقيق هذا الهدف، ورسمت الخط الأحمر الذي لم يستطع جيش الاحتلال تجاوزه، قبل أن يتوسّع مفهوم الخط الأحمر ليطال قدرة جيش الاحتلال على البقاء في المناطق التي احتلها بفضل المقاومة اللبنانية التي انطلقت منذ اليوم الأول لاحتلال بيروت، وأجبرت الاحتلال خلال أيام على مغادرتها.

رعت سورية نهوض المقاومة وقامت بحمايتها وزوّدتها بمقومات القوة، وتحول التحالف الذي نشأ بين سورية وإيران منذ انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية عام 1979 إلى استثمار مشترك في خيار المقاومة لإنشاء معادلة استراتيجية جوهرها دفن معادلة الجيش الذي لا يقهر. وكانت حماية المقاومة في قلب كل المشاريع السياسية التي شاركت فيها سورية حول لبنان بما فيها اتفاق الطائف، بالنسبة للرئيس حافظ الأسد، بالروحية ذاتها التي أدار فيها تحالف حرب تشرين مع مصر والسعودية، وفي كل مرة كانت المخاطر تحيط بالمقاومة كان يتدخّل ويضع ثقله لمنع المعادلة السياسية الناشئة عن اتفاق الطائف من محاصرتها أو إضعافها، ويشهد الرئيس السابق اميل لحود يوم كان قائداً للجيش على الكثير من المحطات التي تؤكد ذلك، حتى كان التحرير عام 2000، وحلت معادلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» مكان المعادلة الغربية الإسرائيلية عن «الجيش الذي لا يقهر».

حاول الإسرائيليون برعاية ودعم كاملين من الغرب وبتدخل أميركي مباشر، رد الاعتبار لمعادلة «الجيش الذي لا يقهر» وإسقاط معادلة «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، عبر حرب تموز 2006، التي رسمت خلالها المقاومة معادلة توازن الرعب الاستراتيجي في مواجهة جيش الكيان، وكان الجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد خلالها سنداً وظهيراً للمقاومة، وكانت إيران جسراً جوياً مفتوحاً من طهران لإمدادات المقاومة، وكان الجيش السوري بقرار واضح من الرئيس بشار الأسد شريكاً كاملاً في الحرب وجسراً برياً للمقاومة من الشمال والشرق، وكانت النتيجة تكريس سقوط معادلة «الجيش الذي لا يُقهر، وتكريس صعود معادلة «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت».

جاءت الحرب لإسقاط سورية التي شاركت فيها أكثر من مئة دولة، برعاية أميركية مباشرة، لتعديل خريطة المنطقة وتوازناتها، لكن أيضاً لإسقاط السيرة التي فرضتها مهابة الجيش السوري في كل الحروب التي خاضها، وصعود نجمه دولياً وإقليمياً بصفته الجيش الذي لا يقهر، وكان كيان الاحتلال حاضراً في كل محطات استهداف سورية، شريكاً رئيسياً في الحرب عليها، ومستفيداً أول منها، ولا يزال، لكن الحقيقة التي أفرزتها الحرب رغم كل ما رصد لها من مقدرات وتشارك جيوش دول كبرى في خوضها إلى جانب منظمات إرهابية دولية، في أول نموذج كامل للحرب الهجينة، هي أن الجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد نهض من بين ركام الحرب، وفرض انتصاراته، وحضوره، وهو اليوم في الطريق لاستعادة كامل السيادة السورية حتى خطوط حدود 2011، حاملاً بجدارة لقب الجيش الذي لا يُقهر، الذي نال استحقاقه في حرب 6 تشرين 1973.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى