نقاط على الحروف

الأنكلوساكسوني الأبيض يستعين بالخبير الهندي الأسمر

ناصر قنديل

– لا يمكن لهذا أن يحدث في ظروف طبيعية، فهو استثنائي بكل ما تعني الكلمة، أن يلجأ الأنكلوساكسوني الأبيض العنصري المتعصب، في حزب اليمن المتمسك بالتاريخ الاستعماري، إلى تمهيد الطريق عبر تفادي الانتخابات الحزبية التي يتحكم بها أعضاء الحزب ليفتح الطريق أمام الخبير من أصول هندية نحو رئاسة الوزراء، ولو اقتضى ذلك سحب المنافسين، بمن فيهم المتعطش للسلطة الأحمق بوريس جونسون، منعاً لتصويت القاعدة الحزبية على أساس عنصري، كما جرى في انتخابهم ليز تراس الغبية الحمقاء التي تسبّبت بتعميق الأزمة المالية، لأنه لم يعد بين أصحاب الكروش المتخمة المتعاطين في السياسة من قادة حزب المحافظين من يملك سجلاً يتيح له طمأنة الأسواق التي أصابتها تراس بالجنون، إلا رجل الأعمال من أصول هندية، الخبير بالشؤون المالية، المعروف بأنه تقني حرفي بلا طموحات سياسية أو شخصية سجالية، سيمنح الأزمة الخانقة أفضل فرص الحلول الممكنة تحت سقف تقني، باعتباره آخر أمل يمكن أن يجنّب حزب المحافظين انهيار البلد فوق رأسه.
– لم تنجح الأزمة التي نجمت عن العناد العنصري ضد روسيا، بفك التعصب ضد الروس، سواء على مستوى النخب الحاكمة أو الرأي العام، في البلد الأوروبي الأكثر تشبهاً بأميركا، سواء لجهة سيطرة النظام الريعي اقتصادياً على حساب الإنتاج، أو لجهة التمسك بثقافة عنصرية بيضاء، وتاريخ استعماري بغيض، لكن ما يجري في بريطانيا هو مقدمة لما يمكن أن تشهده أوروبا من تحطيم الجدران القديمة، وتقبل خيارات كانت توصف بالمستحيلة، سواء كان هذا المستحيل هو تسليم قيادة بريطانيا للجيل الثاني من أبناء أكبر المستعمرات التي مثلتها الهند، أو كان ما شهدته ايطاليا من تقبل صعود اليمين المتطرف، أو ما قد تشهده فرنسا من صعود اليسار الاشتراكي مجدداً، أو ما قد يبدو في ألمانيا ودول اسكندنافيا من صعود للفاشية النازية ذات النزعة الحربية العسكرية.
– المشكلة التي لا يريد الاعتراف بها صناع القرار في أوروبا، ومن خلفهم صناع القرار في واشنطن، هي أن جوهر الأزمة الناشئة بعد حرب أوكرانيا، والتي تهزّ دعائم الاقتصاد وأسواق المال، وتهدّد بالانهيار، ليست أزمة تقنية عابرة، ولا أزمة تقليدية سياسية، ولذلك لا تحلها الخبرة ولا يحلها تبديل الوجوه، ولو أن تهدئة عابرة لتصاعد الأزمة قد تحدث لكنها لن تعني السيطرة على الأزمة، فما يجري هو تراكم تاريخي للانسداد الذي يعيشه النظام الليبرالي الغربي بسبب فشل مشروع الهيمنة، وإحباط وعوده بالسيطرة على أسواق الطاقة، لضمان التحكم بنمو الصين وقدرتها التنافسية من جهة، والتحكم بصادرات الطاقة الروسية وأسعارها من جهة موازية، وهي وعود الصعود الأميركي منذ سقوط جدار برلين، ولأجل تحقيقها تحملت أوروبا الغنية أكلاف ضم الأوربيين الفقراء الى الاتحاد الأوروبي وأزالت الحدود أمامهم، لكونهم الجيران الأقرب إلى روسيا الذين يتم عبرهم التقرب من حدودها، وصولاً لما مثلته أوكرانيا من خط الاشتباك النهائي في هذه العملية، والنتائج العكسية التي تدفع أوروبا ثمنها، بصعود غير قابل للكبح تمثله الصين اقتصادياً، وبتحكّم روسي قاتل بموارد الطاقة وأسعارها، يكشف عمق الأزمة وتاريخها، ويقول إن هذا التراكم في الانسداد بلغ نقطة فاصلة، حيث لا كثير من هوامش المناورة، ولا خيارات، فأزمة الثقة في سوق الطاقة لها عنوان هو روسيا، وبدون عودة الثقة من هذا العنوان، بالانتصار العسكري على روسيا أو التسليم بشروطها، كل ما يمكن فعله يشبه حبات الاسبرين لمصاب بالسرطان، لكن الأسبرين يبقى أفضل من سياسات رعناء تفجّر المشاكل وتسرّع الانهيار.
– عندما يصير المجيء بالخبير من أصول هندية الى رئاسة الحكومة البريطانية يحتاج هروباً من الانتخابات الحزبية، فهذا يعني أن المجتمع الأشد عنصرية من النخب، لن ينتج التغيير الذي تحتاجه المجتمعات الأوروبية لتخطو الخطوة الوحيدة التي يمكن لها أن تفتح باب الحلول، وهي التسليم بالفشل في الحرب مع روسيا، والتسليم بأن قوانين الجغرافيا والطبيعة لا تقاوم، وأن روسيا مورد وحيد للطاقة الرخيصة لأوروبا يلائم حاجاتها واقتصاداتها، وكل مكابرة أمام هذه الحقيقة، مناطحة جدار يكسر قرون الثور الذي يخوض غمارها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى