ماكرون: لا سقوط بل ارتجاج وترنّح
} ميرنا لحود
فشِل تجمع «المعارضة» الفرنسية في إسقاط حكومة ماكرون في البرلمان الفرنسي مطلع هذا الأسبوع، بعدما تقدَّم «تكتل اليسار» ببند «حجب الثقة» عن الحكومة، إضافةً إلى طلب آخرَ من «التجمع الوطني» بقيادة مارين لوبن. لكن في النهاية لم ينجح «الانقلاب» لأنَّ النتيجة جاءت بـ 230 صوتاً والمطلوب 289 صوتاً لحجب الثقة. تشارك توزيع الأصوات جاء على الشكل التالي: 89 صوتاً لحزب مارين لوبن وأصوات اليسار 151 صوتاً في الاقتراح المقدّم من تكتل اليسار. فطلبات حجب الثقة طُرحت نتيجة استخدام الحكومة لمادة 49.3 في الدستور الفرنسي على دفعتين بهدف تمرير فقرات «غير شعبية» في مشاريع موازنة 2023.
ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الحكومات الفرنسية إلى «الاستعانة» بالمادة الشهيرة وطرح حجب الثقة استُخدِم أيضاً مراراً دون أن يتمَّ تسجيل أيِّ نصرٍ يذكر. هذا في الشكل أمَّا من ناحية المضمون فالمسألة مختلفة.
صحيح أنَّه للوهلة الأولى يعكس المشهد عملاً ديمقراطياً في استخدام الآلية الديمقراطية. هذا جيد لكن في المضمون فإن مشروع الموازنة بشكل عام مجحف والخلاف على نقطة من هنا وهناك سخيفة كون المشروع بالكامل يضرب النسيج الاجتماعي. فمثلاً عندما يكون الخلاف بين النواب يتعلق بمسألة «ثلاثة أو ستة أشهر لإرغام العاطل عن العمل بقبول أول عرض عمل» فهذا لا يُسمّى بالإصلاح. وأمثلة من هذا النوع كثيرة في الوقت أنَّ البرنامج الإصلاحي الحقيقي مفقود أولاً وخاصةً في سياسة ماكرون أو لدى المعارضة بشكل عام. والتراجع الكبير لعدم التصويت في الانتخابات رئاسياً وبرلمانياً من قبل الشعب دليلٌ صارخٌ على ذلك. فكتل البرلمان الفرنسي اليوم هي كتل الأقليات. لا أحدَ لديه الأغلبية وبدل من أن يكون العمل على التعاون من أجل المنفعة العامة فهم لا يتلاقون إلا من أجل المنفعة الضيقة لحسابات انتخابية مستقبلية فاشلة أصلاً ومسبقاً.
والتأكيد على تأزم الوضع جاء في نصيحة ساركوزي لماكرون مؤخراً.
فهو مشهدٌ بحدّ ذاته يعكس الحجم المأساوي للسياسة الفرنسية. فيقول الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي للرئيس الحالي: «إنه من الأفضل دمج حزب «الجمهوريين» اليميني بحزب «الجمهورية إلى الأمام». هكذا يكون ماكرون بمأمن من ناحية تأمين الأصوات التي يحتاجها للحصول على الأغلبية. في حقيقة الأمر إنَّ الحكومة لا تحتاج إلى دمج حزبين بحزب واحد. ففي الواقع هي تستطيع تأمين ما تريده دون صعوبة تُذكر. لكن لا أحدَ يقبلُ بالمساومة دون مقابل. فالسياسة الفرنسية غالباً ما تُمارَس بعقيدة «ساعدني فأساعدك» أو «مرر لي فأمرر لك».
ماكرون وسياسة التخبّط
لقد أخفق ماكرون في إدارة البلاد إخفاقاً ذريعاً. فهو متهورٌ وبارع في مجال الصفقات المالية و»التنازل» للأميركي بشركات جدّ حساسة من ناحية الأمن القومي والعسكري الفرنسي وشركات مهمة في المكونات الإلكترونية كـ «التنازل» لشركة EXXELIA مؤخراً. فالأخيرة تزوّد بطائراتRafale والغواصات والمركبة الفضائية Ariane 5/6 وحتى F35. بالإضافة إلى الطلبات الألمانية العالية الحجم أيضاً. ومؤخراً أصرّت ألمانيا على أنْ يكون مشروع SCAF على أراضيها وهو نظام قتالي جوي أيّ طائرة المستقبل. لقد أفرغ ماكرون فرنسا حتى من الصناعة العسكرية العنصر القوي المتبقي لها. ولم تنتهِ تداعيات كورونا والكذب الذي مورس على الشعب الفرنسي. بدأت الدعاوى تكشف الأسرار والملفات تفضح المستور، إضافة إلى العدوان على روسيا وإدخال فرنسا في أزمة عميقة لا يستطيع البلد أن يتحمل تبعاتها.
من شظايا الاقتصاد
لم يكتف وزير الاقتصاد الفرنسي برنو لومير بالتهديد في شلّ الاقتصاد الروسي وإدخاله الانهيار التام. ويؤكد على الفكرة ويصرّ في كلّ مرة. فكلما تكلّم وزير الاقتصاد الفرنسي ضدّ روسيا كلما ارتفع الروبل حتى عززت روسيا من عملتها لا بل حصّنتها. فالوزير دائماً يتحدث عن أنَّ «عِقدَته في ذكائه»، الوزير البارع يصرّ ويصوّب استهدافه على روسيا إلاَّ أنه في كلّ مرة تأتي النتيجة بما لا يشتهيه الوزير. للمفارقة ليس فقط في الملف الروسي إنما في كافة الملفات التي يتناولها «يفلح» الوزير.
إذاً حجب الثقة عن الرئيس الفرنسي هو سُبحة طويلة. بدأت مع السترات الصفراء. ثم في كلامه النابي واحتقاره للآخرين مروراً بكورونا والحرب على روسيا في أوكرانيا. ناهيك عن الأشخاص المقرّبين من ماكرون والمتورّطين في ملفات فساد. على سبيل المثال: إنَّ السكرتير العام للإليزيه «أليكسي كوهلر» متّهم بقضية «الفائدة غير المشروعة». وكذلك الأمر لوزير العدل الذي أُحيل إلى محكمة العدل للجمهورية بملف «استغلال منصبه الوزاري» لصالح دعاوى قضائية. سابقاً كانت أيّ تهمة تؤدّي فوراً إلى الاستقالة. كما أنَّه في ظلّ الأزمة الاقتصادية وفي الوقت الذي يُطلب من الشعب الفرنسي مُمارسة التقشف تعمد الإليزيه لرفع ميزانية القصر إلى 5,2 مليون يورو.
بدأت شخصيات سياسية كثيرة تكتب وتنشر عبر مواقعها أو صفحاتها الإلكترونية للتحذير وحثّ الشعب على الوعي. وبدأت الشركات المتوسطة الحجم ترفع الصوت لأنها مهدّدة بـ «الإبادة». بالإضافة إلى المشاكل في قطاع الصحة والتربية وفرص العمل. فهل فرنسا تتجه إلى التحرّر من قادتها والتبعية للأطلسي؟ لكن متى؟